في إحدى زوايا مستشفى حكومي قديم، تجلس الحاجة “أمّ حسن” على كرسي بلاستيكي متهالك، تغطي كتفيها بعباءة خفيفة، وتحدّق في سقف متشقق تارة، وفي وجوه المرضى المتألمين تارة أخرى.
كانت تنتظر دخول غرفة العمليات منذ ثلاثة أيام، لكن الجهاز المُخصص لجراحتها تعطل فجأة، ولم يأتِ الفني لإصلاحه بعد، لا تدري هل ستُجرى لها الجراحة غدًا؟ أم ستغادر بلا عودة؟
هذه ليست قصة فردية، بل مشهد يومي يتكرر في عشرات المستشفيات المصرية التي تعاني من قلة الموارد، وسط غياب الدعم الكافي، وتجاهل حقيقي للأرواح التي تُترك لتواجه المرض وحدها.
تعاني المستشفيات الحكومية في مصر من نقص حاد في الموارد والإمكانيات، ما ينعكس سلبًا على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، وتتزايد الأزمة في ظل ارتفاع أعداد المرضى، مقابل تراجع الإنفاق الحكومي على القطاع الصحي.
نقص في المعدات والأجهزة
تعاني العديد من المستشفيات من غياب بعض الأجهزة الطبية الأساسية، أو تعطلها لفترات طويلة دون صيانة، وفي بعض الأقسام، يعمل الأطباء بجهاز أشعة أو تحليل واحد فقط، ما يؤدي إلى تكدس المرضى وتأخر التشخيص، وفي حالات الطوارئ، قد يضطر المرضى إلى الانتقال لمراكز خاصة لإجراء فحوصات عاجلة، ما يرهقهم ماليًا ويؤخر علاجهم.
أزمة في المستلزمات الطبية
يواجه الطاقم الطبي يوميًا صعوبات في توفير المستلزمات الأساسية مثل السرنجات، القفازات، وأدوات التعقيم.
ووفقًا لبعض من العاملين في القطاع، فإن بعض المستشفيات تُجبر المرضى أحيانًا على شراء هذه المستلزمات على نفقتهم الخاصة، ما يضع عبئًا إضافيًا على محدودي الدخل.
غرف العمليات في المستشفيات الحكومية.. “مجازفة بحياة المرضى”
كشفت شهادة صادمة عن الأوضاع المتردية داخل غرف العمليات في بعض المستشفيات الحكومية، حيث وصفت أميرة طبيبة من المهاجرين إلى ألمانيا، في تصريح خاص لـ”الحرية”، إحدى المتعاملات مع المنظومة الصحية، تلك الغرف بأنها “لا تليق بأن تُسمى كذلك”، مؤكدة أن “الإمكانيات معدومة، والمعدات غير متوفرة، ما يجعل إجراء العمليات أشبه بالمجازفة بحياة المرضى”.
تصريحات الطبيبة “أميرة” تعكس واقعًا مقلقًا يشير إلى ضعف البنية التحتية الطبية داخل عدد من المستشفيات العامة، في ظل تزايد شكاوى المواطنين من تدهور مستوى الخدمات الصحية، خاصة في أقسام الطوارئ والجراحة.
وتتزامن هذه الشهادة مع تقارير حقوقية وطبية سابقة دقت ناقوس الخطر بشأن الإهمال الطبي ونقص التجهيزات، ما قد يعرّض حياة المرضى لمخاطر جسيمة، ويضع تساؤلات ملحّة أمام الجهات المعنية حول مدى جاهزية تلك المستشفيات لتقديم خدمات طبية آمنة.
طبيبة امتياز تكشف معاناة الطواقم الطبية في القصر العيني: “بنشتغل بأجهزتنا الخاصة ونتحرك من غير أي تكنولوجيا”
كشفت طبيبة امتياز بمستشفى القصر العيني، عن ظروف العمل الصعبة التي تواجهها هي وزملائها من الطواقم الطبية، مشيرة إلى غياب الإمكانيات الأساسية وانعدام وسائل التكنولوجيا التي من شأنها تسهيل تقديم الخدمة الصحية للمرضى.
وقالت الطبيبة في تصريحات خاصة لـ”الحرية”: “مفيش أجهزة ضغط.. الكشف بيتم بأجهزتنا الخاصة أو من خلال تبرعات مننا”، موضحة أنه حتى أبسط المستلزمات الطبية مثل القفازات والكمامات يتم شراؤها على نفقتهم الشخصية.
وأضافت أن هناك غيابًا واضحًا لأي نظام تكنولوجي يساعد في تسهيل حركة الأطباء داخل المستشفى، متابعة: “حتى نتايج العينات لازم نروح المعمل بنفسنا، مفيش أي وسيلة إلكترونية توصل النتيجة أو تسهل علينا”.
وتعكس هذه الشهادة واقعًا مؤلمًا تعيشه الكوادر الطبية الشابة داخل واحدة من أعرق المستشفيات الجامعية في مصر، مما يطرح تساؤلات حول الدعم الذي تتلقاه المستشفيات التعليمية ومدى جاهزيتها لتدريب الأطباء الجدد في بيئة آمنة ومجهزة.
ضغط على الطواقم الطبية
قلة الموارد لا تقتصر على الأجهزة فقط، بل تشمل أيضًا العنصر البشري، فهناك عدد كبير من المستشفيات يعاني من نقص في الأطباء وأطقم التمريض، ما يؤدي إلى ارتفاع الضغط والإرهاق بينهم، ومع ضعف الرواتب، يتجه عدد متزايد من الأطباء إلى الاستقالة أو السفر للخارج.
وتشير التقارير إلى أن نسبة إشغال أسرة الرعاية المركزة في بعض المحافظات تتجاوز 90%، في حين لا تتعدى ميزانية قطاع الصحة 1.5% من الناتج المحلي، وهو رقم يقل كثيرًا عن المعدل العالمي الموصى به.
وتُعد قلة الموارد في المستشفيات الحكومية عائقًا رئيسيًا أمام توفير رعاية صحية آمنة وكافية للمواطنين، وتستدعي تدخلًا عاجلًا من الدولة لإعادة تقييم أولويات الإنفاق، وضمان الحق الدستوري في العلاج لكل مصري.