من أهم آليات تفعيل ما أسميه منظومة “الأثر الطيب”، في العلاقات والمعاملات، الاهتمام بـ”أثر الفراشة” وتأثيره الاجتماعي، في البناء الإيجابي للذات، وتجويد المساحات المشتركة بين أفراد الأسرة أو المجتمع بعضهم البعض، وتصحيح ما يلزم.
“أثر الفراشة” تعبير مجازي لنظرية علمية، ظهرت في ستينيات القرن الماضي، مفادها أن ” رفرفة جناحي فراشة، يمكن تراكميا، أن يؤدي إلى حدوث إعصار “، واستخدمي له في المسار الاجتماعي ، يقوم من وجهة نظري، على اعتماد منهجية “عدم استصغار أي شيء”، فالأشياء الصغيرة يمكن أن تحدث فارقا كبيرا على المستوى التراكمي في العلاقات والمعاملات سواء بالسلب أو بالإيجاب.
إننا نحتاج في علاقاتنا الأسرية والاجتماعية، إلى الاعتناء جيدا بهذه المنهجية، فمعظم التحديات العائلية والاجتماعية من كلمة واحدة أو فعل واحد ؛ فرُب كلمة هدمت بيتا؛ ورُب كلمة أنقذت قلبا، ورُب وفاق ولد من عمل بسيط، ورُب شقاء حدث من فعل صغير، ورُب فشل لبيت تأكد بعد تجاهل توابع أول كلمة سلبية وأول فعل سلبي.
وما أحكم قول النبي الكريم في هذا المسار، حين قال صلى الله عليه وسلم : “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق”، كما قال صلى الله عليه وسلم “أحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها و إن قَلَّ”، وقديما قال العرب: “معظم النار من مستصغر الشرر”.
وفي كتابه “العادات الذرية”، يقدم المؤلف “جيمس كلير”، إطار عمل قائم على بعض من آثار نظرية “أثر الفراشة”، من أجل اكتساب عادات جيدة، والتخلص من القديمة السلبية، عبر إدارة وإتقان أفعالنا اليومية البسيطة لإحداث تغييرات صغيرة، نستطيع من خلالها تحقيق نتائج مذهلة، وفق رؤيته، والتي صاغها قبله بطريقة أخرى العلامة الراحل ابن حزم الأندلسي، حين قال :”قطرة الماء المستمرّة تحفر عمق الصخرة”.
إن أثر الفراشة لا يُرى ولا يزول، كما قال الشاعر، بل أنه يتمدد ويتجدد ويتوسع حتى يتجذر ويقوى، ومن هذا الفهم يمكن أن نبدأ في التحسين والتطوير والتغيير والتصحيح، لكل العلاقات والمعاملات، تحسينا في القول وتطويرا للفعل، وتغييرا لكل ما يؤثر سلبا على بياض القلوب، وتصحيحا لكل مسار يهدد سلامة النفوس وسلام الأرواح، وما تأخر من بدأ.