منذ خمسين عاما توقفت مصر عن الحرب، وعن التصنيع أيضا، وتحول العمال المصريون مع الوقت إلى أحد اختيارات أحلاها مر، الهجرة من مصر، أو التوجه للاستيراد، أو التوظيف في شركات ومصانع لا تنتج شيئا، أكلهم الروتين والملل وفقدان المهارة يوما بعد يوم.
عمال النسيج المصري على سبيل المثال، الذين كانوا مضرب المثل حول العالم، من نافسوا وتفوقوا على عمال لانكشير، من لا تزال منتجاتهم من القطن المصري تصنف على أنها من أجود الملابس في العالم، باتوا الآن محاصرين، الإنتاج محدود، والتصدير متوقف، والسياسات الحكومية كلها ضد العمال كمهارة وكثروة يجب الاستثمار فيها، وانحصرت حقوق العمال في ما يشبه الدعم الإنساني لبعض البشر يجب أن يظلوا على قيد الحياة لا أكثر، بات عمال مصر وقوتها رقم 1 عبر التاريخ يعاملون معاملة اللاجئين أو بعض كائنات في محمية طبيعية.
ورغم توقف التصنيع في مصر طوال 5 عقود، ورغم تبدل النظام الاقتصادي المصري 4 مرات في 50 عاما حتى أصبح المواطن لا يعرف هو حاليا على أي نظام، وبات الاقتصاد المصري “ملوخية” يسبح فيها أباطرة الاستيراد والتصدير، فمازال الخطاب العمالي متوقفا عند الستينيات، في مطالبه وحقوقه، بل في مفرداته ومكوناته.
وبالطبع لم يجد الخطاب العمالي حاليا عمالا يتفاعلون معه، فبعد التجريف بات العمال المصريون يعملون في الاستيراد فقط، أو قيادة التكاتك في الشوارع، فماذا نطلق عليهم؟ عمال؟ لا يجوز، يجب أن يظل العامل خلف ماكينة إنتاج بحسب الخطاب العمالي اليساري المصري.
الزمن تغير، ولم يعد عمال الأمس هم عمال اليوم، نحتاج اليوم إعادة تعريف للعمال، لكن أولا نحتاج إلى إعادة جمع العمال من الشتات الاقتصادي، الأيدي العاملة المصرية الماهرة مشردة الآن بين مصانع غير موجودة، وتكنولوجيا لم تتدرب عليها، وسوق يفرض عليك شراء السمكة بدلا من صيدها.