تقرير : صابر سكر
في الوقت الذي تتصارع فيه القوى المحلية والإقليمية على النفوذ داخل اليمن، تبرز الولايات المتحدة كلاعب مركزي يتحرك بهدوء وبثبات، في مشهد تتداخل فيه الجغرافيا بالإستراتيجية، والموارد بالولاءات، والحرب بالمصالح.
ساحل يمني طويل وأطماع أمريكية لا تتوقف
لم تقتصر الأطماع الأمريكية في اليمن على محافظة الحديدة الواقعة على البحر الأحمر، بل امتدت لتشمل كامل الشريط الساحلي من مضيق باب المندب غربًا حتى سواحل بحر العرب شرقًا.
وتنظر واشنطن إلى اليمن باعتباره نقطة ارتكاز جيوسياسية واقتصادية لا غنى عنها في رسم خرائط النفوذ الدولي، نظرًا لموقعه الاستراتيجي المشرف على أهم الممرات البحرية في العالم.
المهرة.. خاصرة رخوة في شرق اليمن
محافظة المهرة، الواقعة على الحدود مع سلطنة عمان، تمثل واحدة من أبرز النقاط الساخنة في هذا الصراع، حيث تعتبرها سلطنة عمان امتدادًا طبيعيًا لها، ليس فقط من الناحية الجغرافية، بل أيضًا من الناحية القبلية، حيث يحمل العديد من زعماء القبائل هناك الجنسية العُمانية، ويحظون بدعم سياسي واقتصادي مباشر من مسقط.
ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين تُسيطر فعليًا على المحافظة، إلا أن التيار الإخواني في المهرة موالٍ لعُمان ويعارض التوجه السعودي، في مفارقة واضحة عن موقف نظرائهم في محافظات أخرى مثل حضر موت، الذين ينتمون بشكل أقرب إلى الرياض، هذا الانقسام يعكس بوضوح تعقيدات المشهد اليمني، حيث تتداخل الولاءات القبلية والمذهبية مع المصالح السياسية والإقليمية.
حضر موت وعدن وشبوة.. ساحة نفوذ متشابكة
أما محافظة حضر موت، ثاني أكبر المحافظات اليمنية مساحةً، فهي تبدو كأنها موزعة الولاء بين تيارات محسوبة على السعودية وأخرى تسعى إلى الحفاظ على استقلال نسبي، في ظل تنافس على من يمثل “القرار الحضرمي”.
على الجانب الآخر، تُسيطر الإمارات العربية المتحدة على محافظات الجنوب الأخرى مثل شبوة، أبين، لحج، وعدن، عبر ذراعها العسكري والسياسي (المجلس الانتقالي الجنوبي) الذي يسعى إلى إعادة إعلان دولة الجنوبة السابقة.
عين واشنطن على النفط والموانئ
بعيدًا عن مواقفها العلنية بشأن محاربة الإرهاب ودعم الشرعية، لا تُخفي الولايات المتحدة أطماعها الجيوسياسية والاقتصادية في اليمن، فبالإضافة إلى موقعه المطل على مضيق باب المندب، يتمتع اليمن باحتياطات نفطية واعدة، كما يمتلك أطول شريط ساحلي على بحر العرب، يفتح له أبواب المحيط الهندي، وهذا الموقع يمنح أي قوة كبرى، وعلى رأسها واشنطن، فرصة ذهبية لبسط نفوذ عسكري واقتصادي ممتد في منطقة تشهد سباقًا دوليًا محتدمًا.
واشنطن وإدارة الحرب من خلف الستار
وفي تصريح خاص لموقع “الحرية”، قال الخبير الأمني العميد ناصر إسماعيل، إن الولايات المتحدة لا تزال تستخدم الحرب على تنظيمي القاعدة وداعش كغطاء لتوجيه ضربات جوية محسوبة، تهدف بالأساس إلى تحجيم اللاعبين الإقليميين غير المرحّب بهم أمريكيًا، وإعادة ضبط ميزان القوى داخل اليمن بما يضمن تحقيق مصالحها دون التورط المباشر في الحرب.
وأضاف الخبير الأمني: “الولايات المتحدة لا تسعى إلى إنهاء الحرب فعليًا، بل إلى إدارتها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، في إطار ما يُعرف بـ”الحرب المزمنة” أو “الحرب غير المنتهية”، التي تمنحها الذريعة للتمركز العسكري والتحكم في ممرات التجارة والطاقة الدولية”.
نزار السيسي: اليمن سيكون مقبرة لأي تدخل بري أمريكي
في مقابل هذا الطرح، كان للدكتور نزار السيسي، الخبير في شؤون العلوم السياسية، رأي مغاير، حيث قال في تصريح خاص لـ”الحرية”: “الكل يعلم أن أمريكا لن تغامر بالتدخل البري في اليمن، لأنها تدرك حجم الكلفة البشرية والسياسية لهذا الخيار، حتى المرتزقة باتوا يصرحون باستعدادهم لخوض المعركة البرية نيابة عنها، بانتظار قرار أمريكي أو خليجي واضح”.
ويضيف السيسي: “الهدف الحقيقي من المعركة التي يُجهَّز لها هو وقف عمليات اليمن الداعمة لغزة، ومن يظن أن هذه المواجهة ستكون بين أمريكا والحوثيين فقط، فهو واهم، فالشعب اليمني بكل أطيافه سيتحرك دفاعًا عن أرضه وسيادته، لأن هذه معركة عقيدة وهوية قبل أن تكون معركة سياسة أو تحالفات”.
ويتابع أن اليمنيون أثبتوا عبر التاريخ أنهم يوحدون صفوفهم حين يتعلق الأمر بمواجهة الغزاة، وإذا ما قررت أمريكا دخول اليمن برًا، فستكون نهايتها على ترابه، مهما جلبت من ترسانات وأسطول، والدليل على ذلك انسحابها من البحر الأحمر لمسافة تتجاوز 800 كيلو متر بعد أول ضربة يمنية لحاملة طائراتها.
ويختم السيسي، بالتحذير من أن “أي تدخل بري أمريكي سيشكل خطأً استراتيجيًا كبيرًا، وسيعيد إلى الأذهان ما حدث في مقديشو، حيث تحولت أمريكا من قوة غازية إلى هدف للفرار، واليوم، في ظل الأزمة الاقتصادية الأمريكية وارتفاع نسب التضخم والديون، فإن جرّها إلى حرب استنزاف في اليمن سيكون بمثابة مغامرة خاسرة ومدمّرة”.
وتحليلًا للوضع العام يبدو أن المشهد اليمني دخل مرحلة جديدة من التنافس الإقليمي والدولي، حيث تتشابك فيه مصالح القوى الكبرى مع صراعات الداخل المتشعبة، وسط أرض واحدة تتحمل أثقال الأطماع والحسابات، وبينما يشتد الخناق العسكري والاقتصادي، يبقى اليمنيون وحدهم من يدفعون الثمن، بين مطرقة الحرب وسندان المصالح الدولية.
وبعد حديث وزير الخارجية الإيراني مع نظيره المصري أول أمس وتأكيد الأخير على تهدئة التوترات في المنطقة وعلى طهران بذل المزيد من الجهد وإيقاف تهديد الحوثيين لحركة السفن والتجارة في البحر الأحمر وتجنيب المنطقة ويلات المواجهات العسكرية بين أمريكا وإسرائيل وحلفائها وقوات الحوثيين في الجنوب اليمني وتوافق الرؤى بين وزير خارجية البلدين.
هل آن الآوان أن يتخلى العرب عن الأنانية والانقسام وخاصة دول الجوار اليمني ودول الخليج للسعي لتوحيد واستقرار اليمن أمنيًا والنهوض بها اقتصاديا وسياسيًا؟