تجربة تاريخية ألهمت أجيالًا، وحاضر يشهد تشتتًا،
لقد كانت التجربة الناصرية بحق منعطفًا حاسمًا في تاريخ مصر والأمة العربية، بل تركت بصمات واضحة على حركات التحرر في شتى بقاع الأرض.
فرغم قصر الحقبة الزمنية، استطاعت أن تزرع بذور التحرر الوطني والاستقلال والوحدة بين مختلف القوميات، وأن تُشعل جذوة الطموح في نفوس شعوب تطلعت إلى غد أفضل.
لقد تميز الناصريون، وخاصة أولئك الذين حافظوا على نقاء انتمائهم بعيدًا عن تعقيدات التنظيمات الحزبية، بصدق وطني خالص ووفاء عميق لمبادئهم، وبتحرر فكري جعلهم قوة دافعة للتغيير.
أما الأحزاب الناصرية، ورغم ما يعتريها من انقسامات قد تُضعف هيكلها التنظيمي وتؤثر على فعاليتها، فإن قواعدها الشعبية العريضة وأفرادها المخلصين يمثلون طاقة كامنة لا يمكن تجاهلها.
قد تتعدد الرؤى وتتباين الاجتهادات بين من يعتبر نفسه “ناصريًا” ومن يرى أنه “أكثر ناصرية”، لكن يبقى القاسم المشترك بينهم هو الإيمان بتلك التجربة التاريخية الرائدة. وانهم جميعا قابضون علي الجمر.
إن ما يثير الإعجاب حقًا في هذا التيار هو هذا الإصرار الصادق على التمسك بجوهر التجربة الناصرية، التي قامت على أسس بناء الدولة القوية، وتعزيز الهوية الوطنية الأصيلة، وإطلاق مشروعات تنموية وتحررية طموحة واستكمال ما جائت به الثورات السابقه ليوليو ، ولم تكن يومًا حركة معارضة كما يحاول البعض تصويرها بل كانت قرار وطن وبنيت علي اساس دوله وحكم وليست علي جماعات معارضه او تنظيمات غير رسميه، ولا يمكن لنا أن نغفل الدور المحوري للبعد الاقتصادي والاجتماعي في تلك الحقبة. الذي ياتي ثمارة الي الان.
وعندما نتأمل المشهد الحالي، نجد أن تأثير الناصريين لا يزال محسوسًا بقوة في أوساط النقابات المهنية والعمالية، ولهم حضور لافت حيث يحتلون غالبية المواقع القيادية إن لم يكن كلها. وهذا يعكس عمق جذورهم في أوساط الطبقات العاملة والمثقفة، التي تعتبر النقابات ساحتها الأكثر زخمًا وتعبيرًا عن نبض المجتمع وتوجهاته السياسية.
صحيح أن التيار الناصري يواجه اليوم تحديًا كبيرًا يتمثل في حالة الشتات والتفرق بين مكوناته المختلفة. لكن، وفي المقابل، تلوح في الأفق إمكانية حقيقية لإعادة تجميع الصفوف وتوحيد الجهود.
وهذا التوحيد لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تطور في الفكر ومراجعة للموروث، وهو ما أشار إليه الزعيم الراحل نفسه بضرورة إعادة تقييم “الميثاق الوطني” بعد عقد من الزمن. فالتغيرات المتسارعة التي يشهدها عالمنا اليوم تستدعي منا إعادة إحياء تلك التجربة الملهمة برؤية جديدة، تستلهم من الماضي عظمته وتستجيب لمتطلبات الحاضر وتحدياته. لقد أثبتت الأيام أن الكثير مما نادت به التجربة الناصرية كان ضرورة حتمية، وأن رؤيتها الاستراتيجية كانت صائبة إلى حد كبير.
إن الماضي الناصري ليس مجرد صفحة مطوية في كتاب التاريخ، بل هو رصيد ثمين يمكن الاستفادة منه في بناء مستقبل أفضل والحاضر، بكل ما يحمله من تحديات، يخبئ في طياته بذور الوحدة والتجدد. يبقى على الناصريين أن يستلهموا من هذا الإرث العظيم، وأن يتجاوزوا خلافاتهم الداخلية، وأن يقدموا مشروعًا وطنيًا معاصرًا يلبي تطلعات الشعب المصري والعربي، فتلك هي أصدق تحية لذكرى قادة صنعوا تاريخًا، وتلك هي الطريق الأمثل للحفاظ على جذوة هذا التيار متقدة في وجه رياح التغيير.