عادت أزمة نقص الكوادر الطبية لتتصدر المشهد في مصر من جديد، في ظل تراجع أعداد الأطباء والممرضين بشكل ملحوظ، وسط شكاوى متكررة من تدني الرواتب وضعف بيئة العمل.
ودفعت هذه الأوضاع العديد من العاملين في القطاع الطبي إلى الهجرة للخارج، مما يضع المنظومة الصحية أمام تحدٍ خطير يهدد استقرارها، وفق ما أكده نقيب الأطباء في تصريحات تلفزيونية مساء أمس الاثنين.
أطباء مطلوبون للخارج.. والداخل يعاني
وفي الوقت الذي تعاني فيه مصر من نقص حاد في أعداد الأطباء داخل المستشفيات الحكومية والقطاع الصحي عمومًا، أعلنت وزارة العمل، أمس الثلاثاء، عن توفير 6 فرص عمل لأطباء مصريين في عدد من التخصصات الطبية الدقيقة، للعمل بدولة البحرين، وذلك ضمن ما وصفته بـ”جهودها في توفير فرص عمل خارجية للشباب المصري”.
وقال وزير العمل، محمد جبران، إن هذه الفرص تأتي بالتنسيق مع الإدارة المركزية للعلاقات الدولية ومكاتب التمثيل العمالي بالخارج، وتشمل رواتب تتراوح بين 1000 إلى 4000 دينار بحريني، إلى جانب تأمين طبي ومزايا أخرى.
ورغم أن الإعلان قد يُنظر إليه كفرصة لتوفير مستقبل أفضل لبعض الأطباء، إلا أن هذا القرار يجعل المهتمين بالشأن الصحي يطرحون تساؤلات حول توقيت هذا الإعلان، خاصة مع استمرار نزيف هجرة الكفاءات الطبية من داخل البلاد، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على استقرار المنظومة الصحية في مصر.
فرص عمل أم تصدير للأزمات؟
وتساءل البعض هل يُعقل أن تُسهّل الدولة إجراءات سفر الأطباء للخارج، في الوقت الذي تعاني فيه المستشفيات من عجز في أطباء الطوارئ والتخصصات الدقيقة.
ويرى البعض أنه من اللافت أن التخصصات المطلوبة في الإعلان البحريني، مثل استشاري تجميل، استشاري جلدية، أطفال أنابيب، وسمنة ومناظير، كلها تخصصات دقيقة، تحتاجها السوق المحلية، بل وتعاني بعض المحافظات من ندرة فيها.
النائب إيهاب منصور: على الدولة أن تضع رؤية واضحة لتنظيم سفر الأطباء وسد العجز الداخلي أولاً
قال النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، إن الحديث عن توفير فرص عمل للأطباء بالخارج يجب ألا يُفهم على أنه حل نهائي، بل يجب أن يكون جزءًا من رؤية شاملة ومنظمة، تُحدد من خلالها الدولة أعدادًا وتخصصات بعينها، وتكون ضامنة لعقود عمل واضحة تحمي حقوق الطبيب المصري، وتمنع استغلاله أو إجباره على العمل خارج تخصصه كما يحدث في بعض الحالات.
وأوضح منصور، في تصريحات خاصة لـ” الحرية”، أن الدولة يجب أن تلعب دورًا مباشرًا في تنظيم هجرة الكفاءات الطبية، بحيث تكون قائمة على دراسات دقيقة لحجم الاحتياج في الداخل، وحجم الفائض الممكن تصديره بشكل آمن ومنظّم، وليس العكس.
وأشار إلى أن هناك ضرورة قصوى لوضع خريطة قومية لاحتياجات سوق العمل المصري، خاصة في ظل ما تشهده المستشفيات من نقص حاد في عدد الأطباء، داعيًا وزارة التعليم العالي إلى التنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة الصحة، لوضع رؤية واضحة عن عدد الأطباء المطلوبين سنويًا، والتخصصات النادرة، مع بحث إمكانية تعديل الحد الأدنى للقبول بكليات الطب بهدف زيادة أعداد المقبولين.
وأكد أن التعامل مع ملف الهجرة الطبية لا يمكن أن يكون في اتجاه واحد فقط، بل لا بد من توفير بيئة عمل محترمة داخل مصر، ورواتب مناسبة، ومسارات مهنية واضحة، حتى لا يصبح قرار السفر هو الخيار الوحيد المتاح أمام الطبيب.
وأكد أن المسألة تتطلب تخطيطًا استراتيجيًا مشتركًا بين كل من التعليم العالي، والصحة، والتخطيط، والعمل، وليس مجرد جهود متفرقة هنا وهناك، قائلًا: “الطبيب المصري ثروة قومية، ويجب أن تكون الدولة أول من يسعى للحفاظ عليه”.
النائب رفعت شكيب: وزارة العمل تؤدي مسؤوليتها
من جانبه علّق النائب رفعت شكيب، عضو مجلس النواب، على إعلان وزارة العمل الأخير بشأن توفير فرص عمل للأطباء المصريين بدول مثل الإمارات والكويت، مؤكدًا أن توقيت الإعلان غير مناسب في ظل ما تعانيه المنظومة الصحية من نقص حاد في الكوادر الطبية داخل المستشفيات.
وقال شكيب، في تصريحات خاصة لموقع “الحرية”: “أنا لست ضد سفر الأطباء، لكن يجب أن يكون هناك توازن واضح، وأولوية لتغطية احتياجات المستشفيات المصرية أولًا، فالمواطن المصري أولى بهذه الكفاءات، والمستشفيات الجديدة التي تُبنى حاليًا بحاجة ماسة للأطباء قبل التفكير في تصديرهم”.
وأشار إلى أن دور وزارة العمل في تنسيق فرص العمل بالخارج مفهوم ومشروع، خصوصًا مع العلاقات الدولية التي تربط مصر بدول شقيقة تحتاج إلى كوادر طبية، ولكن “لابد أن تُراعى مصلحة الداخل أولًا، لأن اللي هيسافر يعمل مستقبله، لكن إحنا اللي هنفضل نواجه العجز يوميًا في الطوارئ والعيادات الحكومية” على حد قوله.
وأكد شكيب، ضرورة وجود تنسيق مشترك بين وزارة الصحة، ووزارة التعليم العالي، ووزارة العمل لتحديد الأولويات، بحيث لا يتم السماح بسفر الأطباء إلا بعد سد العجز في الداخل، ثم يتم تنظيم خروج الفائض بعقود محترمة تحفظ حقوقهم.
اقرأ أيضًا: حزب الدستور يحذر من تداعيات هجرة الأطباء ويُطالب بحماية كرامتهم وبيئة عمل آمنة