تقرير: محمد مرزوق
بدأت تصريحات جدعون ساعر، وزير الخارجية الإسرائيلي، بإشعال الأجواء داخل الكنيست اليوم، بعد الإعلان عن تنفيذ الاتفاق بوقف إطلاق النار في غزة، ما أثار موجة من الجدل السياسي والدبلوماسي، داخليًا ودوليًا.
فصل جديد من السياسة الإسرائيلية
مع تصاعد حدة التصعيد العسكري في غزة، الذي استمر لأسابيع وأدى إلى خسائر فادحة على الجانبين، جاء الإعلان عن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار كخطوة مفاجئة للبعض ومتوقعة لآخرين. وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، كان في واجهة
“اتفاق الضرورة لا الاستسلام”
وأشار إلى أن الاتفاق، الذي تم توقيعه برعاية الولايات المتحدة ومشاركة مصر وقطر، لا يمثل تغييراً في النهج الإسرائيلي بقدر ما هو خطوة تكتيكية لاحتواء التصعيد.
“ضرورة ملحة وليس استسلامًا”
بدأ ساعر خطابه بجملة حادة: “لم نأتِ إلى هذا الاتفاق كخيار، بل كضرورة فرضتها التحديات الأمنية والسياسية.”
كما قال ساعر خطابه جملة تحمل الكثير من الدلالات:
“اتفاق وقف إطلاق النار ليس استسلامًا، بل قرارًا استراتيجيًا لحماية أرواح الإسرائيليين وضمان الأمن القومي.”
وأكد الوزير أن الاتفاق تم التوصل إليه بوساطة دولية شملت الولايات المتحدة ومصر وقطر، مشيرًا إلى أنه كان الخيار الأفضل مقارنة ببدائل أكثر دموية.
وأضاف: “التأخر في اتخاذ هذا القرار كان يعني تعريض حياة الرهائن الإسرائيليين في غزة لمزيد من الخطر، ونحن ملتزمون بإعادتهم إلى ديارهم بأي ثمن.”
وأفاد أن “إسرائيل لن تتوانى عن استخدام القوة إذا استدعت الحاجة، لكننا نفضل إعطاء فرصة للحلول الدبلوماسية”.
الخسائر: ثمن الحرب باهظ
سعى ساعر إلى تبرير الاتفاق من خلال استعراض أرقام صادمة تعكس حجم الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها الجانبان خلال التصعيد الأخير:
الجانب الإسرائيلي:
قُتل 14 إسرائيليًا، بينهم 3 جنود، وأُصيب أكثر من 200 آخرين.
الأضرار المادية بلغت مئات الملايين من الدولارات، مع تدمير واسع النطاق في جنوب إسرائيل.
الجانب الفلسطيني:
وفق وزارة الصحة الفلسطينية، قُتل أكثر من 350 شخصًا، بينهم 120 طفلًا و70 امرأة.
تضررت عشرات المنازل والبنية التحتية بشكل كبير نتيجة الغارات الإسرائيلية.
وأكد ساعر أن استمرار العمليات العسكرية كان سيؤدي إلى مزيد من التصعيد والخسائر، مضيفًا:
“الحرب ليست الخيار الأمثل دائمًا، والقرارات الصعبة هي جزء من مسؤوليتنا كقادة.”
رسائل داخلية: وحدة متصدعة
حذر وزير الخارجية من تداعيات الانقسام الإسرائيلي حول السياسة تجاه غزة. ووجه انتقادات ضمنية لبعض أعضاء الكنيست الذين طالبوا بمزيد من العمليات العسكرية، قائلاً: “القوة وحدها لا تكفي. يجب أن نتبنى رؤية شاملة تجمع بين الأمن والتنمية السياسية.”
لكنه أكد في الوقت نفسه على ضرورة إبقاء الجيش في حالة تأهب قصوى، مشيراً إلى أن “التهديدات من غزة لم تنتهِ بعد، وما زال الطريق طويلاً لتحقيق الاستقرار.
جدل داخل الكنيست بين التأييد والمعارضة
أثارت تصريحات وزير الخارجية انقسامًا حادًا داخل الكنيست.
المعارضة: وصف بعض أعضاء المعارضة الاتفاق بأنه “تنازل غير مبرر للإرهابيين”، وطالبوا بإعادة النظر في السياسة الإسرائيلية تجاه غزة.
الائتلاف الحاكم: دافع عن الاتفاق، مشددًا على أنه “خطوة ضرورية لتجنب حرب طويلة الأمد”.
وقال أحد أعضاء المعارضة في رده على خطاب ساعر: “إذا كنا نواجه تهديدًا مستمرًا من غزة، لماذا نقدم تنازلات للفصائل المسلحة؟”
ردود الفعل الدولية: إشادات وانتقادات
لقي الاتفاق ترحيبًا من المجتمع الدولي، حيث أثنت بعض الدول على جهود الوساطة التي أدت إلى التهدئة.
واشنطن: أشاد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالاتفاق، واصفًا إياه بـ”النموذج الناجح للدبلوماسية متعددة الأطراف”.
القاهرة: أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الاتفاق يمثل خطوة نحو استعادة الاستقرار في المنطقة.
الأمم المتحدة: دعا الأمين العام إلى البناء على هذا الاتفاق لتحقيق سلام شامل.
في المقابل وجهت بعض الدول الأوروبية انتقادات لإسرائيل، معتبرة أن الغارات التي سبقت وقف إطلاق النار كانت “غير متناسبة” وأدت إلى معاناة إنسانية واسعة في غزة.
مستقبل التهدئة: تساؤلات بلا إجابات واضحة
اختتم ساعر خطابه برسالة غامضة لكنها واضحة في مضمونها:
“هذا الاتفاق ليس نهاية الطريق، لكنه البداية نحو مستقبل نأمل أن يكون أكثر أمانًا واستقرارًا.”
لكن يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع هذا الاتفاق أن يصمد أمام الضغوط السياسية والميدانية؟
بين الأمل والتحدي
تصريحات جدعون ساعر أضافت مزيدًا من التعقيد إلى المشهد السياسي الإسرائيلي، لكنها في الوقت ذاته قدمت رؤية شاملة لسياسة الحكومة في التعامل مع الصراعات. ومع دخول هذا الاتفاق حيز التنفيذ، يظل الطريق طويلًا لتحقيق الاستقرار، ويبقى الأمل معقودًا على أن تكون هذه الخطوة بداية لحل أعمق وأشمل للصراع المستمر منذ عقود.