مع اقتراب الانتخابات البرلمانية القادمة، لا يبدو أن الحياة السياسية تتجه نحو النضج أو حتى نحو الاستقرار. بل نحن أمام مشهد يُشبه المزاد العلني أكثر مما يشبه أي ممارسة ديمقراطية حقيقية.
تحالفات غير منطقية، أموال تتدفق من مصادر مجهولة، وأسماء لامعة تُطرح فجأة وكأنها المنقذ المنتظر، في وقت تتهاوى فيه ثقة الناس في السياسة والسياسيين.
ما يُحاك في الكواليس من حديث عن تحالف انتخابي بين قوى الموالاة وبعض رموز المعارضة ليس مفاجئًا بقدر ما هو فاضح. فهذه ليست “وحدة وطنية” كما يُراد تسويقها، بل صفقة سياسية بائسة عنوانها: “البقاء في المشهد بأي ثمن”.
إن لم تكن المعارضة قادرة على الوقوف في وجه السلطة، فما الفرق إذن؟ هل نحن أمام معارضة تصافح خصمها السياسي تحت الطاولة، بينما ترفع شعار “صوت الشعب” فوق الطاولة؟ أم أن اللعبة صارت مكشوفة لدرجة أن حتى “الديكور الديمقراطي” لم يعد ضروريًا؟
وسط هذه الفوضى، يطلّ علينا حزب جديد، مزود بأسماء براقة وملاءة مالية ضخمة، يزاحم في الساحة كأنه اكتشف السياسة حديثًا.
لا أحد يعرف برنامجه الحقيقي، ولا من يموله، ولا ما هي مواقفه الأصيلة. لكنه مدعوم، مسنود، ومجهز بكتيبة إعلامية مستعدة لشراء العقول مثلما تُشترى الأصوات.
إن دخول المال بهذه القوة، بلا رقيب ولا مساءلة، لا يبشّر إلا بنهاية السياسة كما نعرفها، وببداية عصر جديد من “الديمقراطية لمن يدفع أكثر”.
مع استمرار معدلات التضخم الخانقة، والبطالة التي ترتع في كل بيت، والارتفاع غير المحدود لأسعار السلع والخدمات، لم تعد صناديق الاقتراع ساحةً للتغيير، بل سوقًا مفتوحة للبيع والشراء.
المواطن المطحون، الذي فقد الأمل في العدالة والكرامة، أصبح مستعدًا للتصويت مقابل كيس مواد غذائية أو ورقة نقدية تُعيله ليومين. والأنكى أن الطبقة السياسية تراهن على هذا الواقع، بل وتستثمر فيه.
ما يحدث ليس تنافسًا ديمقراطيًا، بل انحدار كامل لمنظومة سياسية لم تعد تفرز إلا الفساد، ولا تنتج إلا الفشل.
التحالفات المشبوهة، والأحزاب الممسوخة، والناخب الجائع… كل هذه العوامل تصنع مشهدًا قاتمًا، خطيرًا، ومفتوحًا على كل الاحتمالات.
السياسة الحقيقية في الطريق للموت ولن يتبقى إلا مسرح عرائس، تُحرك خيوطه جهات لا تؤمن لا بوطن ولا بمستقبل.
لا تبيعوا الوهم فالضباب سينقشع يومًا فلا تقتلوا أجيالًا ما زالت تؤمن بأن هناك جانبًا آخر للنور.
اقرأ أيضا: وزير التعليم العالي يبحث التعاون الأكاديمي مع جامعة KU Leuven البلجيكية