كتبت: حكمت المصري
السلام عليكم..
الأصدقاء والصديقات في غزة ذُرة التاج، ضفتنا الأبية، قدستنا التي تستحق التضحية، أبناء الوطن في فلسطين والشتات.
الأشقاء الأعزاء في كافة انحاء الوطن العربي، أبناء العروبة والآباء.. تحية لكم من قلب الحدث.
أبعث اليكم جميعًا برسالتي هذه التي ربما ستكون الأخيرة.
لقد دخلنا المرحلة الثالثة من الحرب، مضى شهر على الخراب والدمار الذي طال غزة، شهر ولم يرف جفن للحكومات العربية ذات الجيوش والعتاد، مجرد شعارات وشجب واستنكار لا يُسمن ولا يُغنى من جوع.
بالنفط العربي تسير أسراب الطائرات الأمريكية الحديثة في سماء غزة لتحصد مزيدًا من الأرواح البريئة كل لحظه، لم تعطى هذه الطائرات للطيور فرصة للتحليق في السماء لقد احتلتها كما احتلت الأرض، هاجرت أسراب الطيور بعيدًا لتبحث عن الأمان، لكنها حتمًا ستعود يومًا ما، مصائد الطائرات والدبابات والبوارج البحرية تحصد الأطفال والنساء والرجال والشيوخ على مرأى ومسمع من العالم حتي اقترب عدد الشهداء إلى قرابة العشرة آلاف شهيد.
قلبي موجوع يا إخواني، والله قلبي موجوع.. أبكى بصمت على الدوام مع كل شهيد يسقط، تتحجر دموعي عند رؤية الأطفال ينقبض قلبي، تزداد ضرباته دون حول لي ولا قوة لفعل شيء، أنظر للأطفال من حولي فأشيح وجهي سريعًا عنهم وأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لو حاولت التفكير بفقدهم.
هو الدعاء، يلازمني في صحوي ونومى وصومي وصلاتي، أردد باستمرار «اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي».
أتعلمون؟
أنا لا أخشى الموت مطلقًا فكل أربعة دقائق تستشهد امرأة في غزة، هذا ليس قولي وإنما قول وزرارة الصحة الفلسطينية، ربما سأكون أنا المرأة التالية، أخشى من طبيعة الموت أتساءل كل لحظة وأنا انظر لسقف المنزل الذي أوجد فيه، ربما سأبقى مدة طويلة تحت ركام البيت كما بقي البعض منذ بداية الحرب لو سقط صاروخ علينا، أنا لا أحب العتمة ولا الأماكن المغلقة كيف، سأقضي ساعاتي تحت ردم المنزل، ربما سيُقطع الصاروخ جسدي إربًا إربًا، أو يُحترق جسمي فلا تبدو لي أي ملامح بينما اصطف أمام طابور الخبز الطويل الطويل كل صباح.
أتعلمون؟
لقد نجوت مرة وأنا أقف على بسطة الخضار كنت أمسك كيسًا في يدي التقط الحبة تلو الأخرى من الخيار الذي جئت لأشتريه لأنه مطلب الأطفال ، وقع صاروخ مباغت على مقربة مني فنجوت بكرم الله.
لم تكن المرة الأولى التي نجوت فيها ، لقد نجوت قبلها من صاروخ مشابه وانا أحمل الهواتف المحمولة في يدى كنت ذاهبه لشحنها في مول قريب تعرض للدمار فيما بعد ، حدث قصف شديد جدًا بجواري بينما كنت أتحدث عن تطورات الوضع في غزة لأحد القنوات الفضائية الإخبارية بأعجوبة نجوت.. امتلأ وجهي برماد القصف، تكسر الزجاج فوق رأسي كانت المرة الأولى التي يُستخدم فيها الحزام الناري.
أتساءل ماذا لو مت وأنا أسير لشراء الطعام في شارع مكتظ باللاجئين الجدد لوحدي في مكان غير مسقط رأسي بالتأكيد سيقلني المسعفين إلى مستشفى قريب ويُكتب على كفني الذي حضر من إحدى الدول العربية «شهيدة مجهولة الهوية»، وربما يُكتب أيضا غير واضحة المعالم بسبب القنابل الحارقة.
خلال ساعة سيُتخد القرار بدفني بشكل جماعي مع أناس لا أعرفهم، لن أحظى بقبلة أو نظرة وداع من أبي أو أخي أو أختي أو حتي ابنى الوحيد.
لن يعلم زوجي الذي تقطعت بيني وبينه السُبل وما زال يقطن شمال غزة عن وفاتي قبل مضي أسبوع وربما أكثر فلا اتصالات ولا انترنت.
لن يضع أبي يده على رأسي كما يفعل عندما أمرض، سيصلى علي رجال لا أعرفهم ولا يعرفونني.
انا لا أبالغ لقد حدث هذا مع العديد من الأقارب والأصدقاء والزملاء الذي استشهدوا دون أن يعرف عنهم أحد.
ربما لن يُعرف مكان قبري ولن أفرح لزيارة من أهلي لمن أراد أن يضع باقة الورد الذي أحبه فيما بعد.
أخشى أن يتم إطلاق النار علي بدم بارد وارتمى أيامًا وأسابيع على رصيف شارع كما شاهدنا ما حدث مع من جاءوا إلى الجنوب من شارع الرشيد قبل أيام.
أسئلة تراودني كما تراود كل نساء غزة فالموت أصبح أقرب إلينا من لمح البصر لقد أصبحنا الهدف الثاني بعد الأطفال، لذلك نحن جاهزات على مدار الساعة نرتدي كامل الثياب وكأننا في حالة تأهب قصوى تنتظر الراحة الأبدية حتى ننجو من الحياة الفانية إلى دار البقاء.
لا تنسونا إن ذهبنا، تحدثوا عنا لمن حولكم، قولوا لهم بأننا نساء نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا، لكنها فلسطين العصية الأبية على الانكسار.
كلنا فداء لها ستكون أجسادنا هي الطريق المعبد بالنصر وصولا للمسجد الأقصى المبارك، صلوا علينا صلاة الغائب عند تحريره ولا تنسونا من صالح دعائكم.
عاشت فلسطين عربية حرة.