جددت الولايات المتحدة الأمريكية غاراتها على مواقع تضم مدنيين في العاصمة اليمنية صنعاء وميناء الحديدة اليمني على البحر الأحمر، ففي ظل استمرار التصعيد في منطقة البحر الأحمر وتصاعد التوترات الإقليمية تشن الولايات المتحدة بشكل متكرر غارات جوية على مواقع في صنعاء والحديدة الخاضعتين لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين).
غارات أمريكية وحشية على صنعاء والحديدة
هذه الغارات، التي تستهدف – بحسب البيانات الأمريكية – مواقع مرتبطة بقدرات الحوثيين التي تهدد الملاحة الدولية، تثير تساؤلات عميقة حول توصيفها في الإعلام العربي ودلالات هذا التوصيف. فبينما يصفها الإعلام الغربي في الغالب بأنها “ضربات” أو “عمليات عسكرية”، يندر استخدام مصطلح “العدوان” في التغطية الإعلامية العربية السائدة.
إن استمرار هذه الغارات، التي خلفت بالفعل ضحايا مدنيين وألحقت أضرارًا بالبنية التحتية، يطرح علامات استفهام حول أهدافها وشرعيتها وتأثيرها على مستقبل الصراع اليمني الهش وعلى الأمن الإقليمي برمته. فبدلًا من أن تسهم هذه العمليات في تحقيق الاستقرار، يخشى مراقبون من أنها قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد وتعقيد جهود السلام المتعثرة.
لماذا يغيب مصطلح “العدوان” عن الخطاب الإعلامي العربي؟
هناك عدة عوامل محتملة تفسر هذا الغياب اللافت لمصطلح “العدوان” في توصيف الغارات الأمريكية:
- التحالفات الإقليمية المعقدة: تلعب التحالفات السياسية والعسكرية دورًا حاسمًا في تشكيل الخطاب الإعلامي. فبعض الدول العربية تربطها علاقات استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة، وقد ترى في هذه الغارات دعمًا ضمنيًا لمواجهة نفوذ إيران وحلفائها الإقليميين، بمن فيهم الحوثيون. وبالتالي، قد تتجنب وسائل الإعلام التابعة لهذه الدول استخدام مصطلح “العدوان” الذي يحمل دلالات إدانة.
- التركيز على تهديدات الحوثيين: يركز جزء من الإعلام العربي على التغطية المكثفة لتهديدات الحوثيين للملاحة الدولية واستهدافهم للسفن التجارية، مما يخلق تبريرًا ضمنيًا للرد الأمريكي. في هذا السياق، تُقدم الغارات الأمريكية كرد فعل ضروري للدفاع عن المصالح الدولية والإقليمية.
- تجنب تأجيج الخلافات الداخلية: قد تسعى بعض وسائل الإعلام العربية إلى تجنب تبني موقف حاد ينتقد الولايات المتحدة بشكل مباشر، خشية من تأجيج الانقسامات الداخلية أو التأثير على العلاقات الثنائية مع واشنطن.
- الاعتبارات المهنية والتحريرية: قد ترى بعض المؤسسات الإعلامية أن مصطلح “العدوان” يحمل شحنة عاطفية وسياسية قوية، وتفضل استخدام مصطلحات أكثر حيادية مثل “ضربات” أو “غارات” للحفاظ على مظهر من الموضوعية.
- تأثير الرواية الغربية: قد تتأثر بعض وسائل الإعلام العربية بالرواية الغربية التي تركز على حق الولايات المتحدة في الدفاع عن مصالحها ومواجهة التهديدات الأمنية، مما يؤدي إلى تبني لغة مماثلة في تغطيتها.
غياب “العدوان” في تغطية الغارات الأمريكية يثير مخاوف من التطبيع
يثير الامتناع عن وصف الغارات الأمريكية المتكررة على اليمن بـ “العدوان” في وسائل الإعلام العربية مخاوف من حدوث تطبيع ضمني للتدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة. يرى محللون أن هذا التوصيف المتحفظ قد يساهم في تراجع حساسية الرأي العام العربي تجاه مثل هذه العمليات، مما يفتح الباب أمام المزيد من التدخلات دون مساءلة أو استنكار واسع النطاق.
تهميش معاناة الضحايا اليمنيين في ظل التغطية الحذرة
يؤكد مراقبون أن تجنب استخدام مصطلح “العدوان” يحمل معه خطر تهميش منظور الضحايا المدنيين اليمنيين الذين يتضررون بشكل مباشر من هذه الغارات. فبينما يركز مصطلح “العدوان” تقليديًا على تسليط الضوء على الخسائر البشرية والأضرار الناجمة عن العمليات العسكرية، فإن التغطية التي تتجنبه قد تغفل التركيز على معاناة المتضررين وتأثير الغارات على حياتهم اليومية وظروفهم الإنسانية الصعبة.
مخاوف من إضعاف النقد العربي للسياسات الأمريكية في المنطقة
يحذر خبراء من أن عدم تبني خطاب إعلامي عربي قوي ينتقد الغارات الأمريكية باستخدام مصطلح “العدوان” قد يؤدي إلى إضعاف الخطاب النقدي العام تجاه سياسات واشنطن في المنطقة. ويشيرون إلى أن هذا التجنب قد يقلل من الضغط على الولايات المتحدة لمراجعة استراتيجياتها العسكرية وتجنب المزيد من التصعيد أو إلحاق الضرر بالمدنيين، مما قد يشجع على استمرار العمليات العسكرية دون محاسبة حقيقية.