في ظل ترقب دولي حذر وتوترات إقليمية متزايدة، لا يزال مصير المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران معلقًا على ميزان دقيق يتأرجح بين إمكانية التوصل إلى تسوية دبلوماسية والضغوط السياسية والاقتصادية الهائلة التي تمارسها الأطراف المعنية. وبينما تلوح في الأفق بارقة أمل ضعيفة، تبرز تفاصيل جديدة تلقي بظلالها على مسار المفاوضات المعقد، وتطرح تساؤلات جوهرية حول العوامل الحاسمة التي ستحدد في نهاية المطاف نتيجة هذه الجهود الدبلوماسية الحساسة.
الولايات المتحدة: استراتيجية “الضغط الأقصى” وخيارات محفوفة بالمخاطر
على الرغم من التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي يشهدها العالم، تواصل إدارة الرئيس دونالد ترامب التمسك باستراتيجية “الضغط الأقصى” تجاه إيران، والتي تقوم على فرض عقوبات اقتصادية مشددة تهدف إلى خنق الاقتصاد الإيراني وعرقلة نفوذ طهران الإقليمي المتنامي. وفي هذا السياق، يرى توم حرب، مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية في تصريحات إعلامية، أن “إدارة ترامب تراهن على أن العقوبات ستجبر إيران في نهاية المطاف على تقديم تنازلات جوهرية في ملفها النووي”. ومع ذلك، يقر حرب بوجود “تحديات كبيرة أمام هذه السياسة”، خاصة مع تزايد الأصوات الدولية التي تدعو إلى خفض حدة التوتر وإيجاد حلول دبلوماسية للأزمة.
ويشير حرب إلى أن “الولايات المتحدة تواجه معضلة حقيقية في سعيها لتوجيه ضغوط فعالة على إيران دون أن ينعكس ذلك سلبًا على مصالحها الاستراتيجية الحيوية في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في ظل الانتشار العسكري الأمريكي الواسع في المنطقة”. ومع تصاعد التوترات في منطقة الخليج العربي، يجد الرئيس ترامب نفسه أمام خيارات صعبة: المضي قدمًا في سياسة العقوبات الصارمة والمخاطرة بتصعيد إقليمي، أو الانخراط في مفاوضات قد تسفر عن اتفاق تاريخي يمثل إنجازًا دبلوماسيًا بارزًا في سجله، مع تجنب إغضاب حلفاء واشنطن الإقليميين الرئيسيين، وفي مقدمتهم إسرائيل والمملكة العربية السعودية، اللذين ينظران إلى البرنامج النووي الإيراني على أنه تهديد وجودي مباشر لأمنهما واستقرارهما.
إيران: ثبات في وجه الضغوط وسعي لتعزيز النفوذ الإقليمي
في المقابل، تتبنى إيران موقفًا يبدو ثابتًا وحازمًا في مواجهة الضغوط الغربية المتزايدة. ترى طهران أن صمودها وقدرتها على تحمل العقوبات الاقتصادية المشددة يعززان من مكانتها الإقليمية ودورها كلاعب رئيسي في المنطقة. ويؤكد الكاتب والباحث السياسي صالح القزويني في تصريحات إعلامية أن “إيران تدرك تمامًا أن ملفها النووي لم يعد مجرد نقطة خلاف مع الغرب، بل تحول إلى عامل أساسي في سعيها لتثبيت قوتها الإقليمية وتعزيز اقتصادها الوطني”.
ويضيف القزويني أن “أي تصعيد عسكري مباشر ضد إيران سيكون له تبعات وخيمة قد لا تستطيع الولايات المتحدة تحملها في الوقت الراهن، خاصة في ظل التهديدات الإيرانية المتكررة بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، الذي يمثل شريانًا حيويًا لإمدادات النفط العالمية وأسواق الطاقة الدولية”. وفي هذا السياق المعقد، تسعى إيران إلى تعزيز موقفها التفاوضي من خلال توسيع دائرة تحالفاتها الإقليمية والدولية، مستفيدة بشكل خاص من علاقاتها المتنامية مع قوى دولية كبرى مثل روسيا والصين، اللتين تدعمان موقفها في مواجهة الضغوط الأمريكية المتزايدة. هذا التوازن الدقيق بين التلويح بالتصعيد والانخراط في المفاوضات يجعل مواقف إيران أكثر تعقيدًا وتشابكًا في نظر المجتمع الدولي.
أزمة الثقة المستمرة: العقبة الرئيسية أمام أي اتفاق دائم
يبقى الملف النووي الإيراني هو النقطة المركزية والجوهرية في العلاقات المتوترة بين واشنطن وطهران. وفي هذا السياق، يوضح الأكاديمي والباحث السياسي حارث سليمان أن “أزمة الثقة العميقة والمستمرة بين الطرفين لا تزال تمثل العقبة الأساسية التي تعترض طريق التوصل إلى أي اتفاق نووي طويل الأمد ومستدام”.
ويشير سليمان إلى أن “الولايات المتحدة لا تزال تتوجس بشكل دائم من إمكانية أن تستغل إيران المفاوضات كغطاء أو ستار للتقدم بخطوات حثيثة في برنامجها النووي الطموح، بينما ترى إيران في المقابل أن العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ليست سوى أداة من أدوات الهيمنة الغربية التي تسعى إلى تقويض مصالحها الاستراتيجية وتقويض دورها الإقليمي”. ويتابع سليمان قائلاً: “إن تجاوز هذه الأزمة المستعصية يتطلب تحولًا جذريًا وشاملًا في طبيعة العلاقات بين البلدين، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال اتخاذ خطوات ملموسة وبناءة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، مثل تخفيف العقوبات الاقتصادية تدريجيًا أو تقديم ضمانات دولية موثوقة بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني”. ومع ذلك، يبقى السؤال المحوري مطروحًا: هل ستشهد الأيام القادمة انفراجة حقيقية تضمن بقاء إيران ضمن دائرة الاتفاقات النووية الدولية، أم أن الهوة العميقة بين الطرفين ستظل قائمة، مما ينذر بمزيد من التصعيد وعدم الاستقرار في المنطقة؟