في ظل تصاعد الأزمات المعيشية وتحديات الحياة اليومية، عادت النقابات المهنية والعمالية إلى واجهة المشهد، رافعة شعارات المطالب المشروعة، من تحسين الأجور، وتعديل أوضاع بيئة العمل، إلى توفير تأمين صحي لائق، وإعادة النظر في تشريعات العمل.
ورغم تعدد الوقفات والبيانات والمذكرات، يبدو أن استجابة الحكومة لا تزال محدودة، ما دفع البعض لوصف الموقف الرسمي بـ”ودن من طين وودن من عجين”، في إشارة إلى التجاهل الواضح لمطالب فئات واسعة من المواطنين.
اقرأ أيضًا: ارتكب مخالفات جسيمة.. نقابة الأطباء تُوقف الدكتور جودة عواد عن مزاولة المهنة لمدة عام (التفاصيل كاملة)
أول النقابات.. الأطباء في مواجهة النزيف المستمر
تتصدر نقابة الأطباء مشهد المطالب الفئوية في مصر، وسط تصاعد أزمة هجرة الأطباء إلى الخارج، في ظاهرة باتت تُنذر بخطر يهدد المنظومة الصحية برمتها.
فعلى مدار السنوات الماضية، تفاقمت أوضاع الأطباء بشكل لافت، مع تدني الأجور، وغياب الحماية القانونية الكافية، وتكرار الاعتداءات على الأطقم الطبية، فضلًا عن بيئة العمل المرهقة وافتقار المستشفيات العامة لأبسط الإمكانيات في بعض الأحيان.
وعاد ملف هجرة الأطباء المصريين إلى الواجهة من جديد، بعد تصريحات الإعلامي عمرو أديب في برنامجه “الحكاية” عبر قناة MBC مصر، والتي أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الطبية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
ووجه أديب، انتقادات حادة لهجرة الأطباء إلى الخارج، معتبرًا أن الدولة وفّرت لهم تعليمًا مجانيًا وتدريبًا في مستشفياتها دون مقابل، ثم يغادرون البلاد فور تخرجهم بحثًا عن فرص أفضل.
وقال: “معظم الأطباء لم يدفعوا شيئًا مقابل تعليمهم، ويتدربون مجانًا، وبعد ذلك يسافرون، هو كل دكتور اتضرب في الاستقبال هيهاجر؟”.
من جانبه، سارع نقيب الأطباء المصريين، الدكتور أسامة عبد الحي، بالرد على تلك التصريحات، خلال مداخلة هاتفية في نفس البرنامج، مؤكدًا أن هجرة الأطباء ليست خيارًا ترفيهيًا، بل نتيجة طبيعية لأوضاع صعبة.
وأوضح عبد الحي، أن ما يقرب من 7 آلاف طبيب مصري يهاجرون سنويًا، وسط ضعف الرواتب التي لا تتناسب مع الجهد المبذول، وبيئة عمل غير آمنة تفتقر إلى الحد الأدنى من الحماية والاحترام، لافتًا إلى أن الطبيب قد يعمل حتى 17 نوبة مناوبة في الشهر، كل منها تمتد لـ24 ساعة متواصلة.
وطالب نقيب الأطباء، بتطبيق اللائحة المالية الخاصة بمنظومة التأمين الصحي الشامل على جميع العاملين بوزارة الصحة، كخطوة لتحسين دخل الأطباء، إلى جانب ضرورة توفير بيئة عمل آمنة تحد من الاعتداءات المتكررة داخل أقسام الطوارئ.
وبحسب إحصاءات نقابة الأطباء، يبلغ عدد الأطباء المسجلين في النقابة حوالي 220 ألف طبيب، بينهم نحو 120 ألفًا يعملون خارج مصر.
وتشير التقارير إلى أن عام 2022 شهد استقالة 4 آلاف طبيب من القطاع الحكومي، بينما سجّل عام 2024 استقالة 117 طبيبًا من مستشفيات جامعة الإسكندرية وحدها.
وتتعدد دوافع الهجرة، من رواتب متدنية لا تتجاوز 1800 جنيه شهريًا، إلى نقص المعدات، وضعف التدريب، وتكرار الملاحقات القضائية المرتبطة بالأخطاء الطبية في ظل غياب تغطية قانونية ومهنية كافية.
اقرأ أيضًا: بعد الصحفيين.. نقابة المحامين تعلن إعادة التعاقد مع معامل البرج والمختبر
نقابة المحامين.. مهنة العدالة تحت الحصار
تعيش نقابة المحامين في مصر واحدة من أصعب مراحلها، وسط تزايد الضغوط والتحديات التي تحاصر أبناء المهنة، من تدهور الأوضاع المعيشية، وتراجع الدور النقابي، إلى تصاعد التوترات مع مؤسسات الدولة وارتفاع نبرة الاحتجاجات داخل أروقة العدالة.
فبينما يُفترض أن يكون المحامي شريكًا أصيلًا في إرساء العدالة، أصبح الكثير من العاملين في المهنة يواجهون واقعًا مأزومًا، يتسم بضعف الموارد، وزيادات متلاحقة في الرسوم، وبيئة عمل تفتقر للضمانات القانونية والاحترام المهني.
وتحوّلت النقابة، التي لطالما كانت صوتًا مدافعًا عن الحقوق والحريات، إلى ساحة لصراعات مفتوحة، وملفّات عالقة، وأزمات تتجدد دون حلول حاسمة، ما دفع بالكثيرين من أبناء المهنة إلى رفع الصوت عاليًا، مطالبين بإصلاح حقيقي يعيد للمحاماة مكانتها وهيبتها.
وتعيش المحاكم المصرية حالة من التوتر المتصاعد، في أعقاب الأزمة التي فجرتها الزيادات الأخيرة في الرسوم القضائية المفروضة على الخدمات المميكنة، والتي اعتبرها المحامون بمثابة “جباية غير مبررة”، تهدد سير العدالة وتثقل كاهل المتقاضين على حد سواء.
ودخلت الأزمة منعطفًا حادًا مع امتناع المحامين، لليوم الثالث على التوالي، عن توريد الرسوم إلى خزائن محاكم الاستئناف، في خطوة احتجاجية لاقت دعمًا واسعًا من القواعد النقابية، وسط تحذيرات من تأثير هذا الإجراء على انتظام جلسات التقاضي، وتعطيل مصالح المواطنين.
ويأتي هذا التصعيد بعد القرار الصادر عن المستشار محمد نصر سيد، رئيس محكمة استئناف القاهرة، في الثاني من مارس الماضي، والذي نص على رفع قيمة الرسوم الخاصة بمجموعة من الخدمات، أبرزها رسوم رفع القضايا، الحوافظ، الماسح الضوئي، أمانات الخبراء، الميكروفيلم، الدمغات، رسم طابع الشهيد، رسوم الإعلانات، رسوم المحضرين، واستلام صور الأحكام ومحاضر الجلسات والشهادات.
ورغم الاعتراضات المتكررة من جانب نقابة المحامين وفروعها بالمحافظات، والإجماع على رفض القرار باعتباره “خرقًا صريحًا للدستور”، إلا أن المحاكم بدأت في تطبيق الرسوم الجديدة فعليًا منذ التاسع من أبريل الجاري، ما أدى إلى موجة من الغضب في أوساط المحامين، واعتبار القرار تهديدًا مباشرًا لمبدأ مجانية التقاضي المنصوص عليه دستوريًا.
وعلى مدار الأيام الماضية، لم تهدأ الاجتماعات الطارئة داخل مجلس نقابة المحامين ونقاباتها الفرعية، حيث تم الاتفاق بالإجماع على رفض الرسوم الجديدة شكلًا ومضمونًا، والبدء في سلسلة من الإجراءات التصعيدية.
وشملت التحركات الاحتجاجية تنظيم وقفات أمام عدد من المحاكم، وتعليق توريد الرسوم، رغم إدراك المحامين لما قد يترتب على ذلك من تعطيل للعملية القضائية، في ظل غياب استجابة رسمية أو مبادرة لفتح حوار جاد مع ممثلي النقابة.
مهنة على الحافة.. هل تنجو الصحافة من أزماتها؟
رغم تاريخها العريق ودورها المحوري في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير، تقف نقابة الصحفيين اليوم في مواجهة واقع معقد من الأزمات المتراكمة، جعلها واحدة من أكثر النقابات المهنية معاناة في مصر.
تُعد الأزمات الاقتصادية والمعيشية في مقدمة التحديات التي تواجه الصحفيين في مصر، إذ يشكو آلاف الصحفيين من تدنّي الرواتب، وانعدام الهياكل العادلة للأجور في مؤسساتهم.
ويظل بدل التدريب والتكنولوجيا، الذي تصرفه الدولة، هو الدخل الأساسي “وأحيانًا الوحيد” للغالبية، ويُفاقم من الوضع عدم التزام العديد من المؤسسات بتطبيق الحد الأدنى للأجور.
وتواجه حرية الصحافة في مصر اختبارًا صعبًا في ظل استمرار حبس عدد من الصحفيين على خلفية قضايا نشر وتعبير.
وتعاني المؤسسات الصحفية القومية من تدهور إداري ومالي مزمن، بسبب غياب آليات الحوكمة الرشيدة وفعالية الجمعيات العمومية، وترك الإدارة العليا بلا رقابة حقيقية.
وأشارت جلسات المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين إلى الوضع الذي وصلت إليه الصحف الحزبية، التي باتت تواجه الإغلاق الكامل أو البقاء الورقي الرمزي دون محتوى فعّال، في ظل نقص التمويل وتجاهل الدعم الحكومي.
مناشدات دون مجيب.. هل تُصغي الدولة لصوت النقابات؟
من الأطباء الذين يهجرون الوطن بحثًا عن كرامة مهنية مفقودة، إلى المحامين الذين يخوضون معركة الحفاظ على مجانية التقاضي، وصولًا إلى الصحفيين الذين يكافحون من أجل البقاء في مهنة تتآكل من الداخل، تتوحد المعاناة وتتنوع الوجوه.
هل تُبادر الحكومة بفتح قنوات حوار جادة تُفضي إلى حلول واقعية؟ أم أن هذه المهن التي كانت يومًا عصب الدولة الحديثة، ستظل على الهامش، تُصارع وحدها موجة الإهمال والصمت؟