وزير الري الأسبق يكشف بداية المؤامرة واستغلال الثورة وتقاعس المجلس العسكري عن تحذيرات من بداية الأزمة.
” العام القادم سيشعر المواطن بالفقر المائي” وزير الري الأسبق يوضح موعد ظهور عواقب سد النهضة، وسياسيون يكشفون إمكانية الحل العسكري ومن الذي تنازل عن حصة مصر في النيل الأزرق، وقانونيين يتحدثون عن علاقة وضغوط صندوق النقد الدولي والدول المتآمرة على مصر من جميع الاتجاهات.
الخميس الماضي، ضربت اثيوبيا بالمفاوضات مع مصر عرض الحائط، واحتفلت رسميًا بالملء الرابع لسد النهضة، دون تخوف من التعدي على حقوق مصر والسودان في النيل الأزرق، وسط غضب يضرب الشارع المصري، ومطالبات بالتدخل العسكري، وتخوفات من الفقر المائي.
تحذيرات من بداية التحركات الإثيوبية
“قمت شخصيًا بتحذير الدولة والمجلس العسكري بعد ثورة يناير، ورئيس الوزراء عصام شرف في بداية التحرك الإثيوبي لبناء سد النهضة، وأرسلت خطابًا يفيد بما تقوم به إثيوبيا وخطتها في بناء السد، ونشرت نسخة من هذا الخطاب في جريدة المصري اليوم، ولكن لم يستجب أحد” هكذا يقول الدكتور محمد نصر علام؛ وزير الري الأسبق والشاهد الأساسي من عهد الرئيس الأسبق مبارك على مراحل الأزمة التي وقف لها في ذلك الوقت كونه وزير الري.
ويوضح وزير الري الأسبق، أن قصة النزاع على المياه بين مصر وإثيوبيا تعود إلى اتفاقية وقعت عام 1902، والثانية عام 1929، وكلاهما حفظوا حق مصر من النيل الأزرق، إلى أن جاءت الاتفاقية الثالثة التي وقعها الراحل جمال عبدالناصر عام 1959 مع السودان والتي لم تعترف بها إثيوبيا بعد ذلك، ما جعله ضرب برفضهم عرض الحائط وقرر تشييد السد العالي، مما حجم الدور الإثيوبي في ذلك الوقت.
الدكتور محمد نصر علام، يشير إلى أن إثيوبيا استغلت ضعف أوضاع مصر داخليًا وخارجيًا في عام 2011، وعملت على تحجيم وإلغاء دورها الاستراتيجي، وبالفعل وضعت إثيوبيا حجر الأساس لسد النهضة وزيادة حجم الماء من 14 مليار متر مكعب قبل ثورة يناير إلى 64 مليار متر مكعب بعد الثورة.
يكشف وزير الري الأسبق، في حديثه لـ “الحرية”، أن الاتفاقية التي تم توقيعها في 2015، جاءت بضغوط أمريكية وإماراتية على مصر، ونصت على مبادئ محددة وهي الاعتراف الكامل بحق إثيوبيا في التنمية وبناء السد، وعدم كتابة أي أبعاد وسعة محددة للسد، بجانب الحفاظ على حصة مصر في المياه، والاتفاق أيضًا على قواعد التشغيل والملء وجزء قانوني لمنع التجاوز من كل الطرفين، ويؤكد أن هذا الاتفاق مع الأسف لم يتم صياغته بشكل جيد لصالح مصر.
وعن الحل العسكري، يوضح علام، أنه على مستوى رئيس الجمهورية والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والشعب المصري لا يمكن أن يقبل أحد نقص نقطة واحدة من حصتها في مياه النيل، لأنها بمثابة القضاء على مصر نهائيًا، أما عن الحل المناسب، فهو مسؤولية رئيس الجمهورية فقط، لذا يجب على من يترشح لرئاسة الجمهورية أن يطرح لنا حلولًا لأزمة سد النهضة.
وعن تداعيات سد النهضة على حصة المواطن من المياه، يكشف وزير الري الأسبق، أن المصريين سيشعرون بحجم نقص المياه مع بداية سنوات الجفاف والتي من المتوقع أن تبدأ العام القادم.
هل ورط صندوق النقد الدولي مصر في الأزمة؟
ويتفق عمرو إمام، المحامي الحقوقي، مع وزير الري الأسبق، أن الاتفاقية الأخيرة التي وقعت عليها مصر والسودان في عام 2015 مع إثيوبيا، كانت بمثابة اعتراف ببناء السد وملئه.
أيضًا، المحامي الحقوقي، يقول: “هذه الاتفاقية لغز لا يعلم بتفاصيلها إلا من عقدها، ولا يوجد أحد من المتخصصين في الموارد المائية أو السياسيين يعلم حتى الآن لماذا وقعت مصر عليها، بالرغم من وجود اتفاقية تحفظ حق مصر في الماء، ربما تعرضت مصر لنوع من الضغط من قبل صندوق النقد الدولي والتلويح بعدم الاستجابة بمنح القروض” ومصر لن تلجأ إلى الحل العسكري نهائيًا في حل مشكلة سد النهضة” يؤكد “إمام”.
وعن الحلول القانونية التي تحفظ لمصر حصتها في مياه النيل الأزرق، يجيب المحامي الحقوقي، في تصريحات خاصة لـ “الحرية”، أن عددًا من المتخصصين قدموا حلولًا وأبحاثًا لحل الأزمة قبل التوقيع على الاتفاقية في 2015، ومع ذلك لم يتم الاستجابة لهم، وكان من المفترض على الدولة الاختيار والاعتماد على عدد من السياسيين لديهم قدرة كبيرة على التفاهم والتفاوض مع الجانب الإثيوبي، وهذا لم يحدث إلى أن تورطنا في توقيع الاتفاقية ولذلك لا يمكن اختراقها بأي شكل من الأشكال.
ويوضح، أن إثيوبيا تستند وتستمد دعمها من إسرائيل وأمريكا لوجود مصالح مشتركة بينهم.
يقول عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الدرسات السياسية بالأهرام وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني، إن الخلاف بين مصر وإثيوبيا هو خلاف في الأساس على المياه فقط، ولا يوجد أي خلاف سياسي، وأن مصر دائمًا لا تتعظ إطلاقًا من التسويف الإثيوبي طوال الفترة الماضية.
وعن إمكانية توجيه ضربة عسكرية للسد، يؤكد أن “مصر أسقطت حقها في الحل العسكري، الذي كان يمكن أن تستخدمه حتى عام 2020، ومحاولة ضربه والتخلص من وجوده قبل امتلاء السد، والذي أصبح الآن قنبلة مائية يصعب الاقتراب منه”.
وبسؤاله عن دور صندوق النقد الدولي ومحاولة الضغط على مصر، يوضح عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، في تصريحات خاصة لـ “الحرية” أن الحكومة هي من أضاعت جميع الفرص في الحفاظ على حق المصريين في مياه النيل، بسبب يدها المرتعشة، وأصبح لا يوجد حلول عسكرية ولا قانونية أيضًا لحل أزمة سد النهضة”.
سد النهضة انتقام الغرب من مصر
عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، يوضح أن لدى إثيوبيا خطة ودراسة لبناء 3 سدود أخرى، والتي يقدر حجم تخزينها 200 مليار متر مكعب، وغير معلن حتى الآن متى تبدأ إثيوبيا في بناء تلك السدود، ويؤكد أن من أكثر الأسباب التي شجعت إثيوبيا على التفكير في بناء سد النهضة، هي الولايات المتحدة الأمريكية، انتقامًا من مصر على خلفية سياسية واعتراضها على بناء السد العالي عندما كان بناء السد النهضة فكرة.
ويضيف أستاذ الموارد المائية، في تصريحات خاصة لـ “الحرية”، أن مصر ظلت واقفة ومتفرجة دون مفاوضات حقيقية مع إثيوبيا سواء وقت البناء أو الملء، وبسبب هذه التراخي جعلت إثيوبيا تفرض علينا سياسية الأمر الواقع، ويؤكد أنه لابد أن تبحث الدولة عن مصادر وبدائل أخرى للمياه، بجانب التفاوض والتشاور مع إثيوبيا على حجم المياه سنويًا حتى لا تتأثر حصة مصر.
ويوضح “شراقي”، أن أخطر ما في قصة سد النهضة، هو وجود بعض المشاكل الفنية المتعلقة بأرضية السد، وفي حالة انهياره أو التعرض لزلزال سيكون طوفان على جميع مدن السودان، ويتوقف مدى الضرر على المدن المصرية بحجم كمية الماء المحجوزة وراء سد النهضة والسد العالي وقت سقوطه.
“الحل العسكري يظل قائمًا ومتاحًا لدى مصر طوال الوقت” يقول أستاذ الموارد المائية.
الخبير الاقتصادي، وعضو مجموعة “متحدون ضد مخاطر سد النهضة” إلهامي الميرغني، يؤكد أن اكتمال الملء الرابع كارثة كبري، وهو تتويج لمسيرة طويلة من التعامل الخاطئ مع ملف مياه النيل وسد النهضة، والتي بدأت بالتوقيع علي اتفاق إعلان النوايا في 2015.
ويؤكد الميرغني في تصريحات لـ “بوابة الحرية” أن أخطر ما يواجه مصر في قضية سد النهضة، هو ما تحاول أن تفعله إثيوبيا، ضاربة عرض الحائط بكل المعاهدات والقوانين الدولية.
ويكشف الخبير الاقتصادي، أن الأهداف التي ترغب إثيوبيا في الوصول إليها، خلال بناء سد النهضة من بداية الأمر، وهما حقيقتين مهمتين؛ فالأولى حقيقة تحويل النيل الأزرق من نهر دولي إلى بحيرة إثيوبية تتمكن وحدها من التحكم فيه، والثانية حقيقة التحكم في كميات المياه التي تصل إلى دولتي المصب السودان ومصر.
حجم الخسائر
ويضيف أن مصر تعاني من الفقر المائي، معتبرًا أن أي نقص في الإيرادات المائية من نهر النيل يمثل كارثة كبري بالنسبة لمصر، إذ إن كل نقص للمياه بنحو مليار متر مكعب يساوي بوار 200 ألف فدان (وبعد الملء الرابع ستخسر مصر 25 مليار متر مكعب).
ويتوقع “الميرغني” أن الملء الرابع للسد، والذي يحتمل أن يؤدي إلى خسائر تقارب الـ 2 مليون فدان من الأراضي الزراعية، سيؤدي بلا شك، إلى نقص في إنتاجية المحاصيل.
وليلفت أن مصر تعتمد بنسبة تزيد عن 50% من حصتها على مياه النيل، إذ يغطي احتياجاتها من المياه بما يعادل 55.5 مليار متر مكعب، وبناء عليه تعتبر مياه النيل أهم الموارد المائية، وتنبع من الهضبة الإثيوبية، وتمثل 85% من إيرادات نهر النيل.
كما تمثل أكبر نسبة لاستخدام الماء في الزراعة، إذ تغطي احتياجات القطاع الزراعي بنحو 75% من إجمالي الاحتياجات المائية، ما يعادل 61.4 مليار متر مربع، وبلغت كمية الشرب المنتجة لعام 2022 نحو 11.2 مليار متر مكعب، وتشمل نسب كبيرة من مياه الصناعات الصغيرة والمتوسطة بالمدن والقرى والتي تقدر من 15 إلى 30% من مياه الشرب” يختتم الخبير الاقتصادي حديثه.