أعلنت شركة أرامكو السعودية عن انخفاض أرباحها بنسبة 4.6% خلال الربع الأول من عام 2025، في مؤشر جديد على التحديات المتزايدة التي تواجه أكبر مُصدّر للنفط في العالم وسط تقلبات السوق وارتفاع التكاليف التشغيلية.
ووفقًا لبيان الشركة، بلغ صافي الدخل للفترة المنتهية في 31 مارس نحو 97.54 مليار ريال سعودي (ما يعادل 26.01 مليار دولار أميركي).
ورغم هذا الانخفاض، فإن الأرباح جاءت أعلى من توقعات 16 محللًا ماليًا ممن قدروا الأرباح عند نحو 25.36 مليار دولار، مما يشير إلى بقاء أرامكو في موقع القوة النسبي بالرغم من الرياح الاقتصادية المعاكسة.
تراجع الأرباح وسط ضغوط مزدوجة: انخفاض المبيعات وارتفاع النفقات
يشير مراقبون إلى أن انخفاض أرباح أرامكو يعكس آثارًا تراكمية لعدة عوامل، أبرزها تباطؤ الطلب العالمي على النفط، وتراجع الأسعار في الأسواق العالمية نتيجة الحرب التجارية الأميركية الصينية، والتوترات الجيوسياسية، إضافة إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية الداخلية مع توسع المشاريع الرأسمالية.
في هذا السياق، صرح المهندس أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لأرامكو، بأن “الربع الأول من العام الجاري شهد تقلبات واضحة في أسواق الطاقة نتيجة التغيرات في التجارة العالمية، مما تسبب في حالة من عدم اليقين الاقتصادي، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على أداء أسعار النفط”.
وأكد الناصر في بيانه على أهمية المرونة المالية والانضباط في التخطيط، معتبرًا أن مثل هذه الفترات تُظهر تميز أرامكو من خلال قدرتها على الحفاظ على تدفق أرباح أساسية مستقرة رغم الظروف الصعبة.
توزيعات الأرباح: التزام رغم التراجع
ورغم انخفاض أرباح أرامكو، أعلنت الشركة التزامها بتوزيع 21.36 مليار دولار كإجمالي أرباح للربع الأول، منها 219 مليون دولار كمكافآت مرتبطة بالأداء، وهي آلية استحدثت بعد الأرباح الضخمة التي حققتها الشركة في أعقاب ارتفاع أسعار النفط عام 2022 إثر الحرب الروسية الأوكرانية.
ومع إعلان أرامكو في مارس الماضي نيتها توزيع أرباح سنوية بقيمة 85.4 مليار دولار في عام 2025، بانخفاض حاد عن توزيعات العام السابق البالغة 124 مليار دولار.
فإن ذلك يضع علامات استفهام حول قدرة الشركة على الحفاظ على جاذبيتها الاستثمارية في ظل التراجع المستمر في التدفقات النقدية الحرة، والتي بلغت 19.2 مليار دولار في الربع الأول، بانخفاض 15.8% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
انخفاض أسعار النفط يعمق الأزمة
زاد من وطأة انخفاض أرباح أرامكو التراجع المستمر في أسعار خام برنت، الذي انخفض من 82.03 دولارًا للبرميل في يناير إلى 63.91 دولارًا فقط في نهاية أبريل، ما يعني انخفاضًا بنسبة تفوق 20% خلال أقل من أربعة أشهر.
وتعتمد المملكة العربية السعودية بشكل كبير على إيرادات النفط، حيث شكّل النفط نحو 62% من إيراداتها الحكومية خلال عام 2024، وفق بيانات صندوق النقد الدولي، الذي أشار إلى أن السعودية تحتاج إلى سعر نفط يبلغ 92.3 دولارًا للبرميل هذا العام لتحقيق التوازن في ميزانيتها.
تداعيات داخلية: ضغط على الخطط التنموية والمشاريع الرياضية
لا يقتصر أثر انخفاض أرباح أرامكو على الحسابات المالية للشركة فقط، بل يمتد إلى خطط المملكة التنموية الطموحة.
فبحسب وكالة “رويترز”، بدأت السعودية مؤخرًا في إعادة تقييم أولوياتها الاقتصادية، مع تقليص بعض المشاريع غير الأساسية والتركيز على المشروعات المرتبطة باستضافة الأحداث الرياضية العالمية، مثل كأس العالم 2034، والتي يتطلب تنظيمها تجديد أو بناء 15 ملعبًا على الأقل.
وتُعد أرامكو أحد الممولين الرئيسيين لهذه المشاريع من خلال أرباحها الضخمة، ما يجعل من أي تراجع في عائداتها أمرًا له تداعيات مباشرة على الإنفاق الحكومي في قطاعات مثل البنية التحتية والسياحة والرياضة.
الاستثمارات الرأسمالية: طموح مستمر رغم التحديات
ورغم كل هذه التحديات، أظهرت أرامكو التزامًا بمواصلة خططها الاستثمارية، حيث بلغت نفقاتها الرأسمالية في الربع الأول من العام الجاري أكثر من 12.5 مليار دولار، بزيادة قدرها 15.9% مقارنة بالعام الماضي.
وهي خطوة تُفهم على أنها محاولة لتعزيز قدرة الشركة على المنافسة في المستقبل، خصوصًا في ظل التحولات العالمية نحو مصادر طاقة أكثر استدامة.
وقد حددت الشركة استثماراتها الرأسمالية لهذا العام بما يتراوح بين 52 و58 مليار دولار، بعد أن سجلت نفقات إجمالية بلغت 50.4 مليار دولار في عام 2024، ما يعكس إصرارًا على المضي قدمًا في مشروعات التطوير والابتكار على الرغم من التراجع المؤقت في العوائد.
الهيكل التمويلي: الحكومة لا تزال في قلب المنظومة
تمتلك الحكومة السعودية بشكل مباشر نحو 81.5% من أسهم أرامكو، بينما يحتفظ صندوق الاستثمارات العامة بنسبة 16%.
مما يعني أن أي تغييرات في أداء الشركة المالي تؤثر بشكل مباشر على ميزانية الدولة وخططها الاستثمارية الكبرى، خصوصًا مع سعي المملكة الحثيث إلى تنويع مصادر دخلها بعيدًا عن النفط ضمن رؤية السعودية 2030.