عقد اليسار العربي اجتماعهم الدوري العاشر في بيروت، بحضور كل من صلاح عدلي ممثلا للحزب الشيوعي المصري، ومحمد حسن خليل وكريمة الحفناوي من الحزب الاشتراكي المصري، تحت شعار «لتعزيز دور اليسار العربي في مواجهة العدوان الإمبريالي – الصهيوني المستمر على فلسطين ولبنان والمنطقة».
ويأتي ذلك اللقاء تزامنا مع الذكرى 42 لإنطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وذلك بحضور 20 وفدا يساريا من 10 بلدان عربية.
وبعد اختتام أعمال اللقاء أقرت الأحزاب اليسارية العربية المشاركة بالاجماع الورقة السياسية التالية:
أزمة الرأسمالية العالمية اليوم، آخذة في التعمق أكثر فأكثر، بحيث أن الامبريالية الاميركية فقدت إمكانية التحكم بتناقضات نظامها الرأسمالي الأحادي القطبية، ولم تعد قادرة على فرض سياساتها على العالم كما في السابق.
فلجأت كعادتها إلى تصدير أزمتها عبر التوسع الخارجي، بالتدخل المباشر، وإقامة القواعد العسكرية لها، ونشر أساطيلها، أو بتهديد كل من يقف ضد سياساتها وهيمنتهاونهبها لثروات الشعوب، متوسّلة كل أشكال الحروب العدوانية وخلق الصراعات الداخلية وفرض الحصارات والعقوبات السياسية والاقتصادية والمالية.
فضلاً عن توليد ودعم قوى ومجموعات فاشية وإرهابية وعنصرية لخلق المزيد من التوترات والإنقسامات والفوضى بهدف إحكام سيطرتها الاستعمارية وتفردها في قيادة العالم. هذا عدا عن سياساتها التاريخية في دعم وحماية قاعدتها الصهيونية المتقدمة في فلسطين المحتلة قلب المنطقة العربية، وصولاً إلى الشراكة التامة في العدوان الصهيوني الوحشي منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر الماضي على قطاع غزة.
وتغطيته لحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والمجازر اليومية التي يمارسها المحتل الصهيوني بحق شعبنا الفلسطيني في غزة المحاصرةوالضفة الغربية والقدس لتصفية القضية الفلسطينية برمتها.
فمن هذا العدوان الصهيوني – الإمبريالي الاميركي المشترك على فلسطين ولبنان إلى العدوان على بلداننا العربية في سوريا والعراق واليمن والسودان والاردن ومصر، لرسم خارطة سايكس – بيكو جديدة للمنطقة، وتنفيذ مشروع الممر الهندي لتكريس السيطرةوفق مشروع الشرق الاوسط الجديد الاستعماري على المنطقة، التي تحتل أهمية جيو- سياسية كبيرة في الصراع الدولي الدائرلكسر القطبية الآحادية للإمبريالية الاميركية وقيام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.
أمام هذه التطورات المصيرية، نرى لزاما علينا كيسار عربي، أن نحدد بدقة أكثر كيفية تعزيز دورنا، وآليات عملنا، في مواجهة العدوان الوحشي غير المسبوق على غزة وجنوب لبنان، وعلى المنطقة برمتها لتظهير مشروعنا الوطني التحرري، وتفعيل حضورنا اليساري على مستوى المنطقة وداخل كل بلد عربي.
لقد وصل الكيان الصهيوني بحكومته الفاشية بعد أكثر من 11 شهراً على بدء العدوان الوحشي على غزة إلى المأزق العسكري والأمني والسياسي والاجتماعي نتيجة الفشل الحقيقي في تحقيق أهدافه.
فعملية المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي ونتائجها المحققة ميدانياً من جهة، والصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني وتضحياته، وتنامي دور مقاومته النوعية من جهة ثانية.
بالإضافة إلى موازرة جبهات الإسناد العربية وأهميتها، ودورالاحزاب الشيوعية واليسارية العربية في تحريك الرأي العامالجماهيري العربي والعالمي مع قوى التحرر الأممية التي هبت بعشرات الملايين للتضامن مع نضال الشعب الفلسطيني ودعم قضيته المشروعة العادلة. وصولاً، إلى تبني الاحزاب الشيوعية والعمالية العالمية في أنقرة مبادرة الحزب الشيوعي اللبناني والحزب الشيوعي السوري الموحد إعلان عقد اللقاء الرابع والعشرين لها في لبنان، لدعم الشعب الفلسطيني وقضيته ما بين 24 لغاية 27 اكتوبر 2024، بالتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني من جهة ثالثة.
كل ذلك أسهم في إعادة ترتيب جدول الاولويات السياسية الدولية والاقليمية والمحليةلمصلحة القضية الفلسطينية، ولمصلحة الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني الذي أثبت عن جدارة إلى جانب مقاومته الوطنية أن حقوقه وهويته وثقافته غير قابلة للرهن أو البيع أو حق التصرف بها للمساومين أو المطبعين الخونة.
هذا عدا عن أن المعركة المصيرية الدائرة ساهمت في إحداث المزيد من الفرز الطبقي والسياسي بين الرأسمالية العالمية والأنظمة التابعة والملتحقة بركابها والداعمة للكيان الصهيوني ولعدوانه الفاشي، وبين قوى التحرر والديمقراطية العالمية بعمالها وشبابها وفئاتها الاجتماعية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني وحقوقه، والمطالبة بوقف العدوان وحرب الإبادة الجماعية على غزة وفك الحصار عن شعبها وإدخال المساعدات الإنسانية دون قيود أو شروط.
في المقابل عزلة اسرائيل الدولية على المستويات كافة، وتصنيفها دولة إرهابية وعنصرية تقوم مقام النازية الجديدة التي تنفذ أبشع جرائم الحرب ضد الإنسانية.
بحيث أننا شهدنا لأول مرة منذ النكبة تقديم شكوى دولية من قبل حكومة جنوب افريقيا لمحاكمة الكيان الصهيوني على جرائمه ضد الإنسانية في غزة.
وما المواقف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية التي أدانت إسرائيل على أفعالها الجرمية، وتسمية كل من نتانياهو وغالانت كمسوؤلين عن ذلك، تمهيداً لمحاكمتهما على جرائمهما ضد الإنسانية، فإنها تشكل انكسار لمسار تفلت هذا الكيان الصهيوني من المحاسبة والمحاكمة والعقاب على مجازره وجرائمه الوحشية منذ 76 عاماً، وفقا للمواثيق الدولية والقانون الدولي الإنساني.
كما تشكل إنتصارا لقضية الشعب الفلسطيني ومقاومته، في الوقت الذي يتزايد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين. أمّا مسار التطبيع،والذي كان الكيان الصهيوني يعوّل عليه بشكل كبير كي يحولكيانه المصطنع إلى دولة اقليمية مؤثرة تسيطر وتستفيد اقتصاديا من علاقاتها خصوصا مع الدول الريعية النفطية، فقد تمّ تجميدهإلى أمد غير محدد، بنتيجة تداعيات هذه المواجهة البطولية.
كل هذا، يؤدي إلى إنسداد أفق الحلول، وتعميق مأزق العدو بشكل يرفع من منسوب التوتر في غزة والضفة ولبنان ويضع المنطقة كلها على فوهة حرب إقليمية شديدة الخطورة. وهذا، بالتحديد، ما هدف اليه الفاشي نتنياهو في عدوانه الإجرامي المزدوج على كل من الضاحية الجنوبية لبيروت، وطهران، وإغتيال رمزين من رموز المقاومة في لبنان وفلسطين الشهيد فؤاد شكر والشهيد إسماعيل هنية في محاولة منه لخلط الأوراق في الداخل والخارج، وتوسيع دائرة قواعد الاشتباك من دون سقوف أو ضوابط.
مستفيدا منحفلة التصفيق لخطابه داخل الكونغرس الأميركي، ومن نتائج لقاءاته السياسية في واشنطن والدعم اللامحدود لعدوانه ومحاولا اقتناص فرصة الفترة الضبابية لاتخاذ القرارات في الادارة الاميركية قبل اجراء الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل للخروج من مأزقه ومأزق الكيان الصهيوني التاريخي لتحقيق أهدافه العدوانية، حيث يعمد الى تعطيل أي صفقة لوقف النار وتبادل الأسرى لا تضمن له مكسبا محققا يعزز في امساكه للقرار السياسي والأمني الداخلي بغرض إطالة أمد حرب الإبادة الجماعية في غزة للقضاء على المقاومة وتصفية القضية وتهجير شعبها.
وفق هذه الخلفية الأجرامية الفاشية جاء اغتيال الشهيد غنية في طهران كمحاولة ايضا لاغتيال اعلان بيكين ومندرجاته القيمة.
كما تأتي المجازر الوحشية المعتمدة التي تستهدف المدنيين في المدارس ومراكز الايواء في غزة لتصب في النهج الصهيوني العدواني ذاته.
وإن زيادة منسوب التطرّف اليميني الصهيوني الفاشي، واستمرار النهج الإجرامي ضد الشعب الفلسطيني، أو الهروب إلى الأمام من خلال حرب شاملة في المنطقة واستدراج الولايات المتحدة إليها لإخراج اسرائيل من مأزقها السياسي والعسكري، وما قد يتبع ذلك من صدام إقليمي واسع وخطير جدا.
بالرغم من محاولة الإدارة الاميركية الايحاء بتجنب ذلك، لحساباتها الداخلية الانتخابية أو الخارجية وتأجيلها، إلا أن هذه الادارة أتثبت بمواقفها ودعمها المستمرين للعدو الصهيوني بأنها شريكته وحاميته وراعيته الدولية.
ولا مجال لرهان البعض أو التعويل على حياديتها أو وساطتها أو رعايتها لأي حل عادل على المستوى الفلسطيني أو على مستوى المنطقة. كما أن مظاهر اليمين الفاشي في اوروبا وغيرها، تشكل خطورة على القضية الفلسطينية وشعوب المنطقة.
وإن التطورات الخطيرة في المنطقة، هي بمثابة ناقوس حرب شاملة لمعركة المصير الوطني الجذري، وهي بصفتها هذه تضع اليسار العربي أمام تحديات تاريخية لبلورة مواقفه السياسية الموحدة، ورسم خارطة طريقه الثورية لتعزيز قدراته والانخراط بقوة، وبمختلف الاشكال النضالية المقاومة في مواجهة هذه الحرب المصيرية المفتوحة.
في الموقف السياسي العام:
الحاجة إلى مشروع سياسي يساري عربي يخرج حركة التحرر الوطني العربية من أزمتها، حيث إن المواجهة المفتوحة اليوم، وقبلها ما جرى في عدة بلدان عربية، وحالة التراجع في المشروع الوطني الجامع لكل قوى اليسار، ربطاً بالظروف التي انتجتها.
وبناء على الواقع الذي تعيشه منطقتنا العربية واشتداد الأزمات فيها ومن حولها، يستوجب العمل على توحيد كل الطاقات الموجودة لديها من أجل بلورة مشروع سياسي مشترك مع القوى الشيوعية واليساريةالعربية والدوليّة، يهدف إلى:
أولاً: توحيد الرؤية والوجهة حول حلّ القضية الفلسطينية، وفي هذا الإطار، نرى أن تطور المشروع الصهيوني الاستيطاني وسياسات الفصل العنصري في فلسطين التاريخية كلها، قد أسقط عملياً كافة الحلول الوهمية والملتبسة التي ترعاها الامبريالية الاميركية والاطلسية بالتواطؤ مع الرجعية العربية بما فيها محاولة تسويق مشروع حلّ الدولتين وآخر قرارات ما يسمى بالكنيست الصهيوني إنكاره الكلي للوجود الفلسطيني أو لحق من حقوق الشعب الفلسطيني.
ثانيا: الإسراع في تنفيذ مندرجات إعلان بكين، وترجمة كافة مبادئ هذا الإعلان المهم، باتجاه تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية المُقاومِة، وتفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على أسس ديمقراطية، ومشلركة الجميع فيها لقيادة المعركة السياسية والجماهيرية في مواجهة المحتل الصهيوني، وبما يعزز الصمود الشعبي الكبيروتحصين الانتصارات التي تحققها المقاومة الوطنية في ميدان المواجهة، وتثمير التضحيات الجسيمة التي بُذلت في هذا المجال، وصولاً إلى تحقيق كامل الحقوق الوطنية المشروعة للقضية وللشعب بثوابتها في حق المقاومة لتحرير التراب الوطني الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال الصهيوني، وضمان حق العودة للاجئين والتعويض عنهم، وإقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.
ثالثا: استنهاض دور اليسار في مقاومة العدوان والاحتلال الأجنبي ومواجهة نظم التبعية والقمع والاستبداد السياسي والاجتماعي بهدف إقامة دول وطنية علمانية ديمقراطية مقاوِمة،تتوحد فيها الطاقات حول مركزية القضية الفلسطينية، لوضع حد نهائي للاحتلال الصهيوني، وإلغاء كل أشكال التطبيع والعلاقات مع العدو الصهوني، وإنهاء الوجود العسكري الإمبريالي في المنطقة العربية، وكسر الهيمنة وفك التبعية، ورفض كل أشكال التقسيم والتفتيت والتجزئة في البلدان العربية.
رابعا: إقامة يسار يحمل مشروع تنموي جديد يقوم على اقتصاد عربي منتج ومتقدم تكنولوجيا، من أجل تعزيز التنمية الوطنية وتطوير المجتمعات العربية وتحقيق الظروف المادية لإعادة التوزيع والحد من عدم المساواة والغاء كل أشكال التمييز وتأمين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية لكل المواطنين.