كشفت هيئات أمريكية حكومية أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي منعت عن عمد وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، كما أكد موقع بروبابليكا للصحافة الاستقصائية. كما شددت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) أن الاحتلال الصهيوني منع جهود الإغاثة، وقتل العمال القائمين على الإغاثة والمساعدات، ودمر المباني الزراعية وقصف سيارات الإسعاف والمستشفيات.
وأوضحت الوكالة أنها أوصت بوقف إرسال السلاح إلى حكومة الاحتلال الإسرائيلي بسبب عرقلة جهود الإغاثة، كما قدمت الأدلة على أن الاحتلال منع دخول مساعدات تكفي لإطعام 1.5 مليون فلسطيني لمدة خمسة أشهر، كانت مخزنة في ميناء تسيطر عليه ميليشيات الاحتلال. منوهة إلى مقتل عشرات الأطفال بسبب نقص الغذاء والدواء.
وأعادت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التأكيد على ضرورة وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل بسبب المجاعة في غزة التي تسبب فيها الاحتلال الإسرائيلي، مع استمرار إدارة بايدن في دعم إسرائيل عسكريًا منذ بدء حرب الإبادة على غزة. وزعمت الخارجية الأمريكية أنها طالبت بإعادة تقييم المساعدات العسكرية المخصصة لإسرائيل، وفقًا للقانون الأمريكي الذي يلزم الحكومة بقطع هذه المساعدات إذا ثبت أن إسرائيل تمنع المساعدات الإنسانية.
كما فضح تقرير موقع “بروبابليكا” الأمريكي تعمد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بالتواطؤ مع رئيسه، جو بايدن، إخفاء حقيقة تجويع الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتعطيل إدخال المساعدات أمام الكونغرس، حتى لا يعطل تصدير الأسلحة للاحتلال الإسرائيلي. في الوقت الذي كان يتظاهر فيه بايدن ووزير خارجيته بإدانة عدوان الاحتلال، وتوسطهم في مفاوضات لوقف إطلاق النار.
ولذا، وبالعودة إلى التاريخ، نجد أن كل الإدارات الأمريكية منذ نكبة عام 1948 تقدم الدعم غير المحدود للاحتلال الإسرائيلي في كافة المجالات، سواء سياسيًا أو دبلوماسيًا أو عسكريًا. ولتوضيح هذا الدعم وتفسيره، سنحاول إلقاء الضوء على أمثلة لهذا الدعم الأمريكي لحكومة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، والتطرق إلى بعض أسباب هذا الدعم المطلق منذ عقود.
دعم عسكري
بدأت محطات الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل على مدار عقود في مواجهة فلسطين والدول العربية عام 1949. وشهد عام 1952 توقيع اتفاق للتعاون العسكري والدعم اللوجستي بينهما، وتبعه اتفاق سياسي وأمني. منذ عام 1958، بدأت إسرائيل تتلقى مساعدات أمنية وعسكرية من الولايات المتحدة، وأصبحت دائمة بعد حرب 1967، بعد إنهاء فرنسا علاقاتها الأمنية مع إسرائيل.
وصلت ذروة المساعدات الأمريكية للاحتلال الصهيوني بعد اتفاق السلام عام 1979. وفي عام 1985، اتفق رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز مع جورج شولتز، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في إدارة الرئيس رونالد ريجان، على منحة سنوية قيمتها 3 مليارات دولار، معظمها للأمن وشراء السلاح. وفي عام 2020، قدمت واشنطن مساعدات مالية لإسرائيل قدرها 3.8 مليار دولار لأغراض عسكرية، كجزء من التزام سنوي طويل الأمد وضعه الرئيس السابق باراك أوباما.
تشكل المساعدات الأمريكية لإسرائيل 55% من جميع المساعدات الأمريكية للعالم، وبلغت منذ عام 1948 حوالي 300 مليار دولار تقريبًا. وأقرت الولايات المتحدة حزمة مساعدات لإسرائيل لأعوام من 2019 إلى 2028 بقيمة 38 مليار دولار، تشمل تمويل مشاريع عسكرية مشتركة للحماية من الصواريخ. وتمثل المساعدات العسكرية الأمريكية للاحتلال 18% من الميزانية العسكرية لإسرائيل، ودفعت الولايات المتحدة خمسة مليارات دولار لصالح توطين المهاجرين في إسرائيل، التي لديها سياسة ثابتة بقبول اليهود من جميع أرجاء العالم ومنحهم الجنسية.
ويصل عدد اتفاقيات التعاون العسكري الأمريكي الإسرائيلي إلى 25 اتفاقية، من أجل زيادة قدرة الاحتلال العسكرية وإمدادها بالتكنولوجيا وأنظمة التسليح. وتضمن المساعدات العسكرية الأمريكية حيازة إسرائيل للسلاح الأمريكي في أسرع وقت لضمان التفوق النوعي لإسرائيل على دول المنطقة. وتوفر لإسرائيل أجهزة التحكم والاتصالات والاستخبارات والتعقب وجمع المعلومات. وبموجب قوانين الكونغرس، تمتلك أميركا احتياطي دفاعي لإسرائيل يمكن استخدامه في أوقات الطوارئ، وهو ما يحدث الآن في حربها مع غزة.
أسباب الدعم الأمريكي العسكري لإسرائيل منذ عام 1948
تعود حقيقة أسباب الدعم الأمريكي الكبير والدائم للاحتلال الإسرائيلي إلى قوة اليهود المالية والسياسية داخل أروقة الحكم في أمريكا ودورها في الانتخابات الأمريكية، بالإضافة إلى جماعات المصالح والضغط اليهودية في واشنطن التي تسعى فقط لتحقيق مصالح الاحتلال الإسرائيلي وتأمين التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في مواجهة الأخطار الإقليمية المحتملة.
وبحسب خبراء، فإن المتتبع للعلاقة بين تل أبيب وواشنطن يلحظ أن نفوذ اليهود المنظم في الولايات المتحدة وكذلك أهمية دور إسرائيل في إطار المصالح الأمريكية الشرق أوسطية، سيبقيان على تلك المساعدات في المدى المنظور. ومن يتحمل فاتورة تلك المساعدات للكيان الصهيوني هو دافع الضريبة الأمريكي.
كما مولت واشنطن عبر عقود التوسع والحملات العسكرية الإسرائيلية المختلفة، ومن بينها تمويل الجيش الإسرائيلي في ارتكاب مجازر منظمة في القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية خلال السنوات الماضية من انتفاضة الأقصى وصولاً إلى العدوان على الشعب اللبناني عام 2006 وارتكاب أفظع المجازر التي ذهب ضحيتها مئات الأطفال في قانا ومروحين والغازية وغيرها من القرى والبلدات اللبنانية والفلسطينية والمصرية.
ويقول رون بول، الكاتب الأمريكي، إنه على مدى السنوات العشر المقبلة، سيُـرغم دافعو الضرائب الأمريكيون على إعطاء إسرائيل 38 مليار دولار كمساعدات عسكرية. مشددًا على أن ما نسميه مساعدات خارجية هو في الواقع منافع تذهب لشركات صنع الأسلحة الأمريكية والمجمع العسكري الصناعي الأمريكي. وهذه الأموال ربما لن تغادر واشنطن، بل تحول ببساطة داخل بلدنا من بنك الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأمريكي) إلى شركات صنع الأسلحة في أمريكا.
وأشار الكاتب الأمريكي إلى وجود لوبي يهودي إسرائيلي نافذ جدًا في واشنطن يضغط على أعضاء الكونغرس لتنفيذ مصالح إسرائيل وليس مصالح الولايات المتحدة. منوهًا إلى أن هذا اللوبي هو لجنة الشؤون العامة الأمريكية ــ الإسرائيلية (آيباك).
كما أن اللوبي اليهودي ينتمي إليه عدد من الجماعات ذات التأثير الكبير داخل أمريكا، منها منظمة إيباك، المؤتمر اليهودي الأمريكي، منتدى السياسة الإسرائيلي، اللجنة الأمريكية اليهودية، والأصدقاء الأمريكيون للكود. وأن 51 منظمة من أكبر المنظمات وأهمها تجتمع في إطار “مؤتمر الرؤساء”. مبينًا أن اللوبي الإسرائيلي يعمل على صياغة استراتيجية متكاملة لخدمة مصالح إسرائيل، والسعي إلى السيطرة على مركز القرار في البيت الأبيض والتحكم في الخطاب العام.
ومنظمة إيباك لها تأثير على الرؤساء الأمريكيين، سواء في الحزب الجمهوري أو الحزب الديمقراطي، لقدرتها الكبيرة على تمويل الحملات الانتخابية ومكافأة المنتخبين والمرشحين، وقدرتها على معاقبة أولئك الذين يرفضون طلباتها بطرق عديدة، عبر إيجاد مانحين وموارد تمويلية إضافية، وأساليب الردع والضغط الانتخابي والتهديد الضمني للمسؤولين السياسيين المترددين.
ويسعى اللوبي الإسرائيلي دائمًا إلى الضغط في اتجاه انتخاب رئيس موالٍ لإسرائيل، من خلال الاعتماد على القوة الناخبة لليهود الذين غالبًا ما يسجلون أعلى نسبة مشاركة انتخابية. كما أنهم متمركزون في الولايات المهمة، مثل كاليفورنيا وفلوريدا وإلينوي ونيوجيرسي ونيويورك وبنسيلفانيا، وهذا ما يرفع من وزنهم في انتخاب الرئيس. وعندما يشتد التنافس الانتخابي بين المرشحين، يمكن للتصويت اليهودي أن يحسم الأمر لمصلحة هذا المرشح أو ذاك.
وعليه، فإن الكتلة الناخبة اليهودية لها اعتبار مهم ضمن حسابات الساسة الأمريكان، كما أن جميع المرشحين يسعون إلى التعريف بذاتهم أمام منظمة إيباك القوية ومنظمات أخرى في اللوبي، إدراكًا منهم أن دعمها لهم يسهل حصولهم على المساعدات والعطايا المالية، ويشجع الناخبين على التصويت لهم.
ولذا، فإن القاصي والداني بات يرى بما لا يدع أي مجال للشك أن الولايات المتحدة الأمريكية شريك أساسي في كافة جرائم الاحتلال الصهيوني في الأراضي الفلسطينية والمنطقة العربية، ليس فقط لأنها تقدم الدعم العسكري والمالي للاحتلال وتقدم له الأسلحة والذخائر التي تقتل بها الفلسطينيين على مدار عقود، بل ولأن واشنطن عكفت ولازالت على حماية الكيان الصهيوني سياسيًا ودبلوماسيًا، ومنع أي إدانة قد تلحق به في المحافل الدولية، كما تعيق أي تحرك دولي لحماية الفلسطينيين وتقديم سبل الدعم لهم. ولذلك، فإن واشنطن تتحمل وزر الأبرياء الذين قتلتهم إسرائيل بدم بارد في مختلف أرجاء الأراضي الفلسطينية.