أثارت الحفاوة التي استقبل بها إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، أحمد الشرع، الرئيس السوري، انتباه المراقبين، إذ لم يتوقع أحد الحفاوة التي وجدها الشرع في باريس، بالنظر إلى أنه القادم من صفوف تنظيم القاعدة لم ينكر في أي وقت من الأوقات علاقته السابقة بتنظيم القاعدة.
وفي نفس الوقت فإن الشرع، الذي سبق له الانشقاق عن تنظيم داعش، قبل أن يعلن ولاءه لتنظيم القاعدة، لا يزال يحتفظ ضمن المجموعة المقربة منه بشخصيات معروف عنها ولاءها التقليدي للسلفية الجهادية.
بمن في ذلك كل قيادات الجيش السوري الجديد، وعدد غير معروف من الجهاديين الأجانب المحسوبين على تنظيمات تتبني نفس أفكار تنظيم القاعدة وداعش، وهو ما يطرح السؤال الكبير حول ما إذا الشرع يحاول عقد مصالحة تاريخية بين الولايات المتحدة وبين تنظيم القاعدة.
تصريحات مفاجئة من قلب باريس حول “علاقة استراتيجية“
عقب انتهاء زيارته للقصر الرئاسي الفرنسي، أدلى أحمد الشرع بتصريحات مفاجئة تناقلتها وسائل إعلام محدودة، زاعماً وجود مساعٍ لتأسيس “علاقة استراتيجية قوية” مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وادعى الشرع أن هذه العلاقة المزعومة سترتكز على “المصالح المشتركة والشراكة”، دون الخوض في تفاصيل هذه المصالح أو طبيعة الشراكة المقترحة.
شكوك عميقة حول مصداقية الشرع وأهدافه
تثير هذه التصريحات موجة من الشكوك والدهشة، نظراً للخلفية المتطرفة لأحمد الشرع وولائه الحالي لتنظيم القاعدة، المصنف إرهابياً من قبل الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية.
ولا يوجد أي مؤشر علني أو تصريح رسمي من واشنطن يؤكد وجود أي تواصل أو نية لإقامة “علاقة استراتيجية” مع شخصية بهذا التاريخ والانتماء الذي يحمل في طياته اتجاه للمصالحة بين القاعدة وبين واشنطن.
اقرأ أيضًا: الشرع يبحث مع ماكرون وحدة سوريا ومستقبل داعش والدروز
وكشفت مصادر مطلعة عن مبادرة جديدة من الرئيس السوري أحمد الشرع تستهدف استغلال ما وصفته بـ “جشع” الرئيس الأمريكي دونالد ترامب و”جهله السياسي”.
ووفقاً لهذه المصادر، يعتزم الشرع التقدم بمقترح طموح للرئيس الأمريكي يقضي بتنفيذ “مشروع مارشال” لتعمير سوريا، يعتمد بشكل كبير على استثمارات أمريكية ضخمة تعد بعوائد اقتصادية مغرية للولايات المتحدة.
خطة الشرع الطموحة.. تعمير سوريا بتمويل أمريكي ومنافع متبادلة
تتضمن الخطة المقترحة من قبل الرئيس الشرع، بحسب التسريبات، برنامجاً واسع النطاق لإعادة بناء البنية التحتية السورية المدمرة جراء سنوات الحرب، وتنشيط الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص عمل جديدة.
ويقوم المقترح على فكرة أن الولايات المتحدة، من خلال ضخ استثمارات كبيرة في هذا المشروع، لن تساهم فقط في تخفيف الأزمة الإنسانية وإعادة الاستقرار إلى المنطقة، بل ستحقق أيضاً مكاسب اقتصادية كبيرة على المدى الطويل من خلال عقود إعادة الإعمار والشراكات التجارية المستقبلية.
استغلال “جشع” ترامب وتقديم مغريات اقتصادية
يرى مراقبون أن تركيز الرئيس الشرع على الجانب الاقتصادي والمغريات الاستثمارية يهدف بشكل مباشر إلى مخاطبة اهتمامات الرئيس ترامب المعروفة بالتركيز على الصفقات التجارية والفوائد الاقتصادية الملموسة.
ويبدو أن النظام السوري يراهن على أن إغراء تحقيق عوائد مالية كبيرة للشركات الأمريكية قد يكون كافياً لتجاوز تحفظات الإدارة الأمريكية على التعامل مع حكومة الشرع والانخراط في مشروع بهذا الحجم.
استغلال “الجهل السياسي” للرئيس الأمريكي وتقديم سردية جديدة
بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي، تشير المصادر إلى أن الرئيس الشرع يسعى أيضاً لاستغلال ما يعتبره “جهلاً سياسياً” لدى الرئيس ترامب بالشأن السوري وتعقيداته.
وتهدف الخطة إلى تقديم سردية جديدة تركز على المصالح المشتركة في إعادة الاستقرار ومحاربة الإرهاب، وتتجاهل أو تقلل من أهمية القضايا الخلافية الأخرى مثل ملف حقوق الإنسان والحل السياسي الشامل في سوريا.
شكوك وتحفظات واسعة النطاق
يواجه هذا المقترح السوري، قبل عرضه الرسمي حتى، موجة من الشكوك والتحفظات من قبل العديد من المحللين والساسة.
ويشير المنتقدون إلى أن التعامل مع حكومة الرئيس الشرع، التي لا تزال تواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، قد يمثل تنازلاً كبيراً عن المبادئ الأمريكية والقيم المعلنة.
كما يشككون في قدرة النظام السوري على الوفاء بتعهداته وضمان بيئة استثمارية آمنة وجاذبة للشركات الأمريكية.
مستقبل المبادرة وتداعياتها المحتملة
يبقى مصير هذه المبادرة السورية الطموحة غير واضح. وسيتوقف الكثير على رد فعل الرئيس ترامب وفريقه السياسي والإداري، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية والخارجية التي قد تمارس على الإدارة الأمريكية.
وإذا ما تم تبني هذا المشروع، فإنه سيشكل تحولاً جذرياً في السياسة الأمريكية تجاه سوريا وسيكون له تداعيات كبيرة على مستقبل المنطقة بأسرها.