في تصريحات خاصة لـ «الحرية» تحدثت دكتور إيمان عبد الله، استشاري العلاج الأسري النفسي، عن التأثيرات النفسية الخطيرة التي يخلفها التحرش والاغتصاب على الأطفال، مشددة على خطورة التأخر في التدخل العلاجي، وذلك على خلفية قضية “الطفل ياسين” الشهيرة الذي تعرض للاغتصاب على مدار عام كامل من موظف بالمدرسة يبلغ من العمر 80 عامًا، وانتهت القضية بالحكم بالسجن المؤبد على الجاني.
الآثار النفسية العميقة على الطفل المغتصب
أكدت إيمان عبد الله، استشاري العلاج الأسري النفسي، أن تأثير الاغتصاب على الطفل شديد الخطورة ويختلف من حالة لأخرى تبعًا للتكوين النفسي للطفل وصورته الذاتية.
ومن بين هذه التأثيرات: تبلد المشاعر وفقدان القدرة على التعبير، ضعف التحصيل الدراسي، مشاكل في العلاقات الاجتماعية، الاكتئاب، الفوبيا، وفقدان الثقة بالنفس، وقد يمتد تأثير الصدمة إلى مستقبل الطفل في اختيار شريك الحياة.
وأوضحت استشاري العلاج الأسري النفسي أن الأمر يزداد تعقيدًا إذا لم يتم علاج الطفل في وقت مبكر، مما قد يؤدي في بعض الحالات إلى رغبة الطفل لاحقًا في إيذاء الآخرين أو حتى أن يصبح هو نفسه متحرشًا أو مغتصبًا، خاصة إذا تكرر الاعتداء عليه أكثر من مرة أو أكثر من شخص سواء كان قريبًا أو غريبًا.
تشوهات الهوية الجنسية والاضطرابات النفسية تأثير الاغتصاب
من بين التأثيرات طويلة المدى التي قد تنجم عن الاغتصاب، حسبما ذكرت دكتور إيمان، هو تكوّن أفكار مشوهة عن الجنس، وفقدان الهوية الجنسية في العلاقة مع شريك الحياة لاحقًا.
وأضافت: “تتكون لدى الطفل أفكار أن الجنس مؤلم ومخيف، ويشعر بكره كبير لجسده وفكرة العلاقة الجنسية نفسها، وهنا يتحول السلوك الجنسي لنوع من الصدمة، ما يستدعي تدخلًا نفسيًا عاجلًا لإعادة رسم الصورة”.
التحرش والاغتصاب لا يُشترط أن يكون بالاختراق الكامل
أشارت أيضا إلى أن التحرش قد يكون بكلمة أو لمسة، وأن ليس بالضرورة أن يتضمن الإغتصاب إيلاجًا كاملاً.
وعلقت على تقرير الطب الشرعي في قضية الطفل ياسين الذي لم يجزم بتعرضه للاغتصاب، مؤكدة أن التأثير الجسدي قد لا يظهر بشكل كامل رغم وقوع الاعتداء.
العلاج بين الصدمة والتأهيل النفسي
أكدت على أن العلاج يتضمن “علاج بالصدمة مع ثيرابي لإعادة رسم الصورة لدى الطفل”، بحيث يشعر أنه قادر على الدفاع عن نفسه وأن لا أحدً يتمكن من إيذائه.
وأوضحت أن العلاج يحتاج إلى وقت لكنه فعّال ويؤدي إلى شفاء الطفل.
هل يمكن للطفل اختلاق قصة تحرش أو اغتصاب ؟
أكدت عبد الله أن احتمالية أن يختلق الطفل قصة عن تعرضه للاغتصاب تعتبر ضعيفة للغاية ونادرة الحدوث، موضحة أن ذلك قد يحدث فقط في حالات نادرة، مثل مشاهدة الطفل لمحتوى في فيلم ومحاولته تقليده، أو شعوره بالإهمال العاطفي من الأسرة، فيلجأ لاختلاق قصة بهدف جذب الانتباه.
لكنها شددت على أن هذا السلوك لا يحدث عادةً في موضوعات حساسة كقضية الاغتصاب، بل قد يظهر الكذب لدى الأطفال في أمور أخرى.
وأشارت إلى أن الدراسات والأبحاث العلمية تؤكد أن الأطفال نادراً ما يكذبون في القضايا المتعلقة بالتحرش أو الاغتصاب، أو في وصف سلوك جنسي معقد، وهو ما يدفع كثيراً من الأهالي إلى اللجوء للفحص الطبي وطرح أسئلة دقيقة على الطفل عند الشك في تعرضه لأي انتهاك.
علامات تشير إلى تعرض الطفل للتحرش أو الاغتصاب
كشفت دكتور إيمان عن علامات عديدة قد تدل على تعرض الطفل للتحرش، منها: التبول اللاإرادي و الخوف ليلًا ورفض الذهاب للمدرسة خاصة إذا كان مكان الاعتداء، فقدان الشهية، الانعزال، عدم الرغبة في مشاهدة محتوى معين، العنف، ترديد كلمات غير مألوفة، وأحيانًا قد يفكر في الانتحار، أو يظهر سلوكًا جنسيًا مبكرًا أو مفرطًا، وقد يصبح مدمنًا للجنس مستقبلًا.
توجيهات للأهالي لحماية أبنائهم من التحرش والاغتصاب
وشددت على أهمية التوجيه الصارم للأبناء في التعامل مع المجتمع، خاصة في المدرسة، وتعليمهم مهارات أساسية مثل: الثقة بالنفس، الدفاع عن الذات، التمييز بين ما هو مؤذٍ وصحيح، وأكدت على ضرورة التربية الجنسية والتوعية بكافة أنواع التربية.
وأكدت أن 80% من حالات التحرش تأتي من الأقارب أو الأصدقاء، وهي نسبة صادمة تستدعي اليقظة.
وأضافت أن الدراسات والأبحاث أثبتت أن التأثير السلبي الأكبر يقع عندما لا يُصدَّق الطفل، ما يترك أثرًا طويل المدى.
“لازم نسمع ولادنا ونتعامل معاهم كضحايا مش متهمين”، تقول د. إيمان، مشيرة إلى ضرورة تأجيل الفحص الطبي قليلًا بعد الواقعة، لأن الطفل في البداية يكون خائفًا ومهددًا.
الإحصاءات تؤكد خطورة الصدمة
وأشارت دكتورة إيمان إلى أن 45% دراسة أجريت على الأطفال الذين تعرضوا للتحرش، وأظهرت أنهم يعانون من اضطرابات في الأكل، مشاكل نفسية، عزلة، عدوانية، سلوكيات جنسية مبكرة، تحصيل دراسي ضعيف، وقلق شديد.
الردع المجتمعي ضرورة
واختتمت تصريحاتها بالتأكيد على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية ضد أي متحرش أو مغتصب، وأن كل طفل تعرّض لأي شكل من أشكال الاعتداء الجنسي بحاجة إلى دعم نفسي وأسري ومجتمعي حقيقي يقف بجانبه.