بالتزامن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤، وأيضًا مع طرح فكرة إجراء هذا الاستحقاق الدستوري في موعد مبكر، ناقشت الأوساط السياسية قضية “تغييب” دور الحركة الطلابية خلال العقد الماضي بشكل مُتعمد، وعن الدور الذي كان يمكن أن تلعبه في مستقبل المشهد السياسي.
وفي تقارير نشرتها منصات صحفية مستقلة عن آخر انتخابات طلابية تمت، في العام الماضي 2022, ، تحدثت جميعها عن تضييق أمني أثمر عن عزوف عن المشاركة أو المتابعة، ذكرت المنصة :”قال مصدر رفيع في وزارة التعليم العالي إن أوراق الطلاب المرشحين في الانتخابات الطلابية ستُعرض على الجهات الأمنية، قبل الموافقة على ترشحهم، وذلك لاستبعاد أي طالب يحمل ما وصفها بـ “سوابق فكرية شاذة” أو انتماءات سياسية “معادية للدولة”.
على أرض الواقع، شهدت الانتخابات الماضية تضييقًا أمنيًا رغم أنها كانت أول انتخابات “سياسية” منذ إطلاق الرئيس عبد الفاتح السيسي دعوته لعقد حوار وطني، يفتح المجال السياسي “المنغلق” في مصر منذ عقد، في إبريل 2022، لمناقشة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وغالبًا ما يؤكد السيسي في معظم حواراته على دعمه للشباب.
على طاولة الحوار الوطني
تمارس السلطة الحالية تقييدًا للحركات الطلابية بشكل كامل، لذلك عليها أن تتحمل نتيجة تأميم المجال العام داخل الجامعات، يقول مصطفى شوقي عضو حزب العيش والحرية تحت التأسيس.
ويضيف شوقي لـــ “الحرية” أن غياب النشاط الطلابي بشكل عام داخل الجامعات أدى إلى عزوف الشباب عن الاهتمام بالشأن العام والعمل السياسي، ما أثر على نشاط الطلاب بشكل عام، ليس فقط ما له علاقة بالشأن السياسي.
وفي ظل انعقاد جلسات الحوار الوطني، وما يصفه البعض ب”الانفراج السياسي” في المشهد العام، دعا شوقي إلى الدفع بإعادة نشاط الحركات الطلابية داخل الجامعات مرة أخرى. كما دعا إلى فتح النقاش حول هذا الأمر بشكل واضح ضمن جلسات الحوار.
تاريخيًا.. التأسيس والتقييد
أسس الحركة الطلابية في مصر الزعيم مصطفى كامل تحت مسمى «نادي المدارس العليا»، منذ 112 عامًا، وكان يغلب عليها الطابع الليبرالي. ثم شهد تطورات كبرى بفعل الاحتكاك مع الحركة الوطنية، والبعثات إلى الخارج. والعمل السياسي السري.
لعبت الحركة الطلابية منذ البداية دورًا وطنيًا في ثورة ١٩، فمن أمام «بيت الأمة» هتف صوت الطلبة بـ «الاستقلال التام أو الموت الزؤام.. سعد سعد يحيا سعد»، وذلك عقب صدور قرار القوات البريطانية باعتقال الزعيم سعد زغلول.
في ذلك الوقت، كان بمقدمة الحركة الطلابية طلاب كلية الطب والحقوق، ثم جاء طلاب مدراس المهندسخانة، والتجارة، الزراعة ودار العلوم، والإلهامية الثانوية، والتجارة المتوسطة، والقضاء الشرعي، وشهد هذا اليوم اعتقال 300 طالب إثر المشدات التي حدثت بين الجانب البريطاني والجانب المصري بميدان السيدة زينب.
على طول تاريخها، شهدت الحركة الطلابية عملية تقييد وحد من تحركاتها، تحت ضغط الإنجليز أصدرت وزارة محمد محمود باشا القانون رقم 22 لسنة 1929، وهو القانون الخاص بحفظ النظام في معاهد التعليم ونصت مادته الأولى على «أن يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة من عشرين إلى خمسين جنيها كل من استعمل القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو المناورات أو الأعطية أو الوعود أو أي طرق أخرى لدعوة تلاميذ وطلبة المدارس أو الكليات أو غيرهم من معاهد التعليم أو الانقطاع عنها أو إلى تأليف لجان أو جماعات سياسية للطلبة أو الانضمام إليها أو إلى حضور اجتماعات سياسية أو إلى الاشتراك بأية طريقة كانت في تحرير أو توقيع أو طبع أو نشر أو توزيع محاضرات سياسية أو احتجاجات موجهة إلى السلطات بشأن مسائل أو أمور لها صبغة سياسية”.
وفي عهد الرئيس محمد أنور السادات، جاءت لائحة 1979، التي حرمت جميع أشكال العمل السياسي داخل الجامعة، وسار على نهجه الرئيس السابق محمد حسني مبارك، الذي قيد الحركة الطلابية داخل الجامعات المصرية.
كل ذلك، لم يمنع الطلاب من التعبير. شاركوا في دعم الانتفاضة الفلسطينية، وهتفوا ضد ضرب العراق في بداية الألفية، وخرج الطلبة في 29 سبتمبر 2000 من جميع جامعات الجمهورية ومدارسها الثانوية والإعدادية وحتى الابتدائية للاحتجاج على اقتحام شارون للمسجد الأقصى في اليوم السابق، ومن هنا اشتعلت المظاهرات في كافة أنحاء مصر، وظلت هذه الفترة الأخيرة فترة مظاهرات دائمة من الطلبة احتجاجا على الأوضاع التي تعيشها البلاد.
وبعد مشاركة الشباب الفعالة في ثورة 25 يناير 2011، لم تشهد الحركة الطلابية. حراكًا سوى في انتخابات اتحاد الطلاب في 2013، ثم تم تغييب الحركة الطلابية عن المشهد تمامًا بفعل القبضة الأمنية التي مارستها السلطة في العشر سنوات الأخيرة.
تغييب عن التحديات
المهندس أحمد بهاء شعبان رئيس الحزب الاشتراكي المصري، يقول إن تغييب العمل السياسي عن الجامعات أثر بشكل سلبي على “وعي” الشباب واهتمامهم بالقضايا الوطنية والاجتماعية، وإدراكهم لأبعاد النضال الوطني بشكل عام، والتحديات التي تواجه المجتمع ودورهم في مواجهتها.
وأضاف شعبان أحد قادة الحركة الطلابية لـ الحرية، أن فترة السبعينات شهدت دورًا كبيرًا للطلبة في السياسة الوطنية، مضيفًا: «الكاتب الفرنسي والتر لاكير في كتابه عن الحركة الوطنية في العالم الثالث أكد أنه لا يوجد دولة لعب فيها الطلاب دور قوي في القضايا الوطنية مثل ما حدث في مصر”.
انطلق الشباب في ثورة 1919 من مدرجات كلية الطب بجامعة القاهرة وفق شعبان، ويضيف، كذلك فإن الطلاب لعبوا دوراً مشهودًا لاستثارة همة الأمة لمقاومة الهزيمة في حرب 1967، وحث الدولة على الانتصار وهو ما تبلور بشكل قوي في حرب أكتوبر.
موقف عدائي دائم
وأردف رئيس الحزب الاشتراكي المصري أن النظم المصرية المتتالية كان لها موقف سلبي من الحركات الطلابية، واتخذت ضدها موقف عدائي بدلًا من تشجيع الطلاب على المشاركة في المشهد العام. ويضيف أن السادات كان دائم اتهامها بالسلبية وأنها تجنح دائما لتخريب الدولة، فقيد تحركاتها.
وفق شعبان، تعاون السادات مع جماعة الإخوان المسلمين، وأخرجهم من السجون من أجل مواجهة الطلبة المتمردين على نظام السلطة، وكان أغلب توجهات الطلاب يسارية. يؤكد” مصر تدفع ثمن هذا القرار حتى اليوم”
وبعد اغتيال السادات ظل موقف النظام الجديد مع الحركات الطلابية كما هو، ولم يتغير بأي شكل، بل عمل نظام مبارك بشكل مستمر على إجهاض أي حركة داخل الجامعة، موضحًا أن الحرس الجامعي عاد مرة أخرى إلى داخل الجامعات لكي يحاصر أي محاولة لتكوين حركة طلابية.
نتيجة كل هذا يقول شعبان القيادي الطلابي السابق :” نشهد الآن جامعات منفصلة تمامًا عن كل قضايا الوطن والمجتمع، ما أدى إلى افتقاد الشباب للوعي والثقافة بشكل كبير، بجانب التأثير السلبي المتواجد في الجانب الإعلامي”
يشير شعبان إلى أنه ورغم كل ما يحدث، إلا أن ذلك لا يعني افتقاد الشباب للانتماء الوطني بشكل كامل، وأكبر دليل على ذلك قيام الشباب بثورة 25 يناير، و30 يونيو، وقيام الشاب البطل محمد صلاح بقتل ثلاثة جنود من الإسرائيليين.