حرب الرسوم الجمركية | اشتعال المواجهة الاقتصادية بين واشنطن وبكين.. ما تداعياتها على الاقتصاد العالمي والدول النامية؟ .. دخلت المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين مرحلة غير مسبوقة من التصعيد، بعد أن قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الصينية بنسبة 125%، وهو أعلى مستوى في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وفي رد فعل سريع، رفعت بكين بدورها الرسوم الانتقامية على السلع الأميركية إلى النسبة نفسها، مؤكدة استعدادها “للقتال حتى النهاية”.
مرحلة جديدة من التوتر: كيف بدأ التصعيد؟
التصعيد الحالي بدأ حين فرضت واشنطن في بداية أبريل/ نيسان الجاري رسومًا بنسبة 104% على عدد كبير من المنتجات الصينية، قبل أن يقرر ترامب رفعها إلى 125% مع تلويح بإضافة 50% أخرى إذا لم تتراجع بكين خلال 24 ساعة. ولم تنتظر الصين طويلاً، إذ رفعت رسومها من 34% إلى 84%، ثم إلى 125% في اليوم التالي.
وبينما كانت الأسواق تترقب تهدئة مؤقتة بعد أنباء عن تعليق محتمل للرسوم لمدة 90 يومًا، نفت إدارة ترامب ذلك بشدة، مؤكدة مضيها في التصعيد، ما أدى إلى موجة اضطرابات في الأسواق المالية العالمية.
الوجه الآخر للتصعيد: ماذا تريد واشنطن؟
تقول إدارة ترامب إنها تسعى لتحقيق “العدالة التجارية”، مستندة إلى أرقام العجز التجاري مع الصين، والذي تجاوز 295 مليار دولار العام الماضي.
ويعتمد الرئيس الأميركي في استراتيجيته على شعار “أمريكا أولاً”، بهدف دعم الصناعة المحلية وتقليل الاعتماد على الخارج، لا سيما من خصم استراتيجي مثل الصين.
رغم أن الاقتصاد الصيني لا يزال ثاني أكبر اقتصاد عالمي، إلا أنه شديد الاعتماد على الصادرات، ووفقًا للبيانات الرسمية، فإن 16.4% من صادرات الصين تذهب إلى السوق الأميركية، وهو ما يجعل اقتصادها أكثر عرضة لاضطرابات التجارة العالمية.
وتوقعت تقارير أن تخسر الصين ما بين 0.5% إلى 1% من ناتجها المحلي الإجمالي نتيجة هذه الرسوم، ما قد يعرقل جهود بكين لمعالجة أزماتها الهيكلية، وعلى رأسها ديون القطاع العقاري.
المستهلك الأميركي في مرمى النيران
في المقابل، قد يدفع الاقتصاد الأميركي ثمنًا سياسيًا واجتماعيًا لهذا التصعيد، إذ من المتوقع أن ترتفع أسعار آلاف السلع في السوق المحلي.
كما سيتضرر قطاع الزراعة الأميركي، الذي يعتمد بشكل كبير على السوق الصينية لتصريف منتجات مثل فول الصويا والذرة واللحوم، إضافة إلى الصناعات التكنولوجية والطيران.
الدول النامية بين المطرقة والسندان
في خضم هذا التصعيد، تبرز زاوية أخرى مهمة وهي التأثير العميق لهذه الحرب التجارية على الاقتصادات النامية، خصوصًا تلك التي تعتمد على التصدير للصين أو على الاستيراد من الولايات المتحدة.
فالدول الإفريقية التي عززت شراكاتها مع الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق، قد تشهد تباطؤًا في تدفق الاستثمارات الصينية وتراجعًا في الطلب على المواد الخام.
وفي المقابل، فإن الرسوم الأميركية قد تفتح نافذة أمام بعض الدول مثل فيتنام وبنغلاديش لتعزيز صادراتها إلى السوق الأميركية، لكن التوتر قد يخلق حالة من عدم اليقين تمنع الاستفادة الفورية من تلك الفرص.
كما أن تراجع قيمة اليوان قد يؤدي إلى موجة جديدة من تخفيضات العملة في الأسواق الناشئة، خشية فقدان التنافسية، وهو ما قد يخلق حالة من “حرب عملات” إقليمية، تعيد إلى الأذهان أزمة 1997 المالية الآسيوية.
المشهد الحالي يؤكد أن المواجهة مرشحة لمزيد من التصعيد، خاصة في ظل غياب قنوات فعالة للحوار أو التفاوض المباشر، وميل كل طرف لاستخدام أدواته الاقتصادية القصوى.
وفي ظل عالم مترابط، فإن أي تصعيد بين واشنطن وبكين يعني بالضرورة آثارًا سلبية على الجميع، وخاصة على الدول الضعيفة اقتصاديًا.
وبينما تتبادل القوتان الاقتصاديتان الضربات الجمركية، تظل الدول الأخرى متفرجة ومتضررة في آنٍ واحد، دون قدرة حقيقية على التأثير في مجريات الصراع.
فهل نشهد في المرحلة القادمة بروز نظام اقتصادي بديل يعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية؟ أم أن الجميع سينتظر حتى يحترق الاقتصاد العالمي بأكمله بنيران هذه الحرب؟
اقرأ أيضا: تقلبات الأسواق العالمية تحت صدمة رسوم ترامب.. هل نقترب من أزمة مالية جديدة؟