في فضاء الرأي العام هَمٌ مشترك بين العديد من الكُتاب والمفكرين، حول البحث عن مستقبل المقاومة الفلسطينية، ومدى واقعية هدف رئيس حكومة دواعش اليهود النازيين، هتلر الثاني «بنيامين نتنياهو»، في القضاء على حركات التحرر الفلسطيني وفي القلب منها حماس، ومدى تَقبُل المنظومة العربية الرسمية لحملات التخويف الصهيوني من انتصارات المقاومة الفلسطينية وتوابعها.
يطنطن «نتنياهو»، في كل مؤتمر بهدف القضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية عامة، بل يحرض الدول العربية علنًا على مساعدته في ذلك؟!، ويقدم مزاعم مليئة بالتخويف من انتصار مسار التحرر الفلسطيني الذي انطلق في يوم 7 أكتوبر المجيد، في سردية تفزيعية مليئة بالدعاية السوداء، ثبت زيفها ومصالحه الشخصية فيها.
بنظرة برجماتية بحتة، أتفق معها تمامًا، يقول الكاتب الصحفي محمد مصطفى موسى في مقاله المنشور 21 ديسمبر بعنوان «ماذا بعد حماس: الإجابة: داعش»: «إن وجود حماس في المعادلة الإقليمية، حتى لكارهيها، يظلُّ أقل وطأةً من اختفائها، والمؤكد أن الأنظمة العربية التي تُناهض حركة المقاومة، من منطلقِ الخصومة مع جماعة الإخوان المسلمين، لا تريد داعشًا بديلًا، ومن ثمَّ فإن البرجماتية على الأقل، تقتضي التوقف عمَّا تتواطأ عليه في الغُرف المغلقة، مع الإسرائيليين والأمريكيين بشأن كسر شوكة حماس، ذلك أن الوريث المحتمل ليس أيسر معشرًا، وليس ألين جانبًا».
برأيي، أن المنطقة، هذه المرة، تواجه دواعش اليهود النازيين، بشكل واضح وصريح دون تجميل، بعد مواجهة شرسة مع دواعش المسلمين، وثمَّة تشابه كبير بين وحشية الاثنين، ومن مصلحة دول العالم، خاصة العربي، بشكل عقلاني بحت، عدم الخوف من تَبِعات انتصار الشعب الفلسطيني في معركته الإنسانية الحقوقية التاريخية، في مواجهة تلك النسخة المتوحشة من حاصل جمع «الإرهاب والتطرف والنازية» مع بعضهم البعض، بل يجب مُساندة المقاومة كحائط صدٍّ أمامي للعرب ولأحرار الغرب وللإنسانية جمعاء، وهذا أكدت عليه في مقالاتي منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى.
لكن سأذهب مع مجادلة المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات الباحث الفلسطيني الدكتور محسن صالح في مقاله المنشور في 21 ديسمبر الجاري بعنوان «عالم بلا حماس؟!»، إذ يشير إلى أن حماس كانت غير موجودة بالفعل في فترات في المشهد الفلسطيني، مرة لكون تأسيسها عام 1987، بعد نحو 40 عامًا من إنشاء الكيان الصهيوني، ومرة بعد توابع الملاحقة الأمنية الصهيوسلطوية، عَقِب توقيع اتفاق أوسلو في سنة 1993 تحت وقع طبول ما قيل إنه «سلام وحلول تسوية سلمية».
يصل الرجل إلى التأكيد أنه لم يحدث تغييرٌ من قبل الاحتلال، في فترات غياب «حماس»، وأن المشكلة ليست في المقاومة أو «حماس» تحديدًا، بل في جوهر «الأيديولوجية الصهيونية، والعقلية الحاكمة صانعة القرار التي ترفض أي حلٍّ للسلام، وأي تسوية سلمية مزعومة بل تريد الوصاية على الشعب الفلسطيني بكل وقاحة وغطرسة، دون انتباه إلى تجذر فكرة المقاومة في التربة الفلسطينية».
عزز بدوره الكاتب الصحفي خالد داوود، في مقاله المنشور في 25 ديسمبر تحت عنوان : «وَهْم القضاء على حماس!»، نفس هذه الخلاصة؛ إذ اعتبر تهديدات نتنياهو، بتدمير حماس، وتصفية المقاومة، «وهمًا كبيرًا» حتى لو استمر العدوان الصهيوني شهورًا عدَّة وأعاد الجيش احتلال غزة بالكامل، أو تمكن جدلًا من اغتيال كِبار قيادات المقاومة والنيل من أعضائها، ويتوقع وقتها أن «تنشأ تنظيمات وقيادات فلسطينية أخرى تواصل المسيرة حتى التحرّر والنصر».
ومن هنا يمكن فهم ما يقدمه المفكر الدكتور هشام جعفر بوضوح ناجز ومهم في مقاله المنشور 24 ديسمبر بعنوان «هل تزيد النزعات القتالية الإسلامية بعد طوفان الأقصى؟» إجابة برأيي حول ذلك التركيز الصهيوني على الترويج للقضاء على المقاومة، مؤكدًا أن «حماس قدمت نموذجًا لتجاوز العجز، وأعادت التساؤل لدى الوجدان العربي: هل نحن عاجزون حقًا؟ أم جرى إصابتنا بالعجز عن عمدٍ؟!».
أشار الدكتور جعفر إلى نقطة مهمة جدًا، وهي أن «تجاوز المقاومة لاعتبارات القوة المادية والتفوق التكنولوجي، انطلاقًا من الإيمان بقدرة الإنسان الذي نفخ الله فيه من روحه، من تسخير الكون لتحقيق أهدافه، دفع الكيان الصهيوني وداعميه الدوليين ومناصريه الإقليميين، إلى جعل تكلفة ذلك البشرية والمادية باهظةً جدًا، حتى لا يفكر أحد في تَكراره»، ومن يمكن فَهم بعض خلفيات البروباجندا الصهيونية ضدَّ معركة طوفان الأقصى المجيدة.
ذلك الهدف السادي الوهمي للاحتلال الصهيوني، بالقضاء على المقاومة، دفع رئيس تحرير صحيفة الشروق النائب والكاتب الصحفي عماد الدين حسين إلى التساؤل الغاضب -ومعه الحق- في مقاله المنشور بعنوان «المقاومة مستمرة مهما بلغ البطش الإسرائيلي» في 18 نوفمبر الماضي: «أليس هناك قوانين وأعراف دولية تقول إنه يحق لسكان أي أرض مُحتلة أن يقاوموا المُحتل بكل الوسائل المتاحة، حتى لو لم توجد حركات مقاومة ؟!».
وهكذا الرأي الذي ينطلق من أقلام متنوعة المشارب، يؤكد أن أزمة المنطقة العربية بل الإنسانية، في وجود الاحتلال الصهيوني، وأن المقاومة الفلسطينية، بجانب أنها حق مقدس وحلٌّ ناجز، فإنها باعتدالها وتحضرها وإنسانيتها ودقة مسارها، تُرسخ لمسار البندقية الصحيح، وتقوض مرتكزات أي عنف ، وتقول للجميع: نحن الأقرب والأوفى والأبقى والدرع الأمامي، نحن فكرة والفكرة لا تنتهي، فلا تخافوا من انتصار التحرر الفلسطيني، فعدو الجميع هو الكيان الصهيوني، ومخططه من النيل إلى الفرات لازال في عقيدته، ولكن الاحتلال إلى زوال بإذن الله، ثم بقوة الوحدة وتنوع القوة.