على مدار السنوات الماضية، بدأ مصطلح اللايف كوتش يظهر بشدة على منصات السوشيال ميديا وبين أوساط الشباب وبدأت صفحات كثيرة تروج لـ “كورسات اللايف كوتشينج”، والتي جذبت الكثير من الشباب والبنات كنوع من أنواع جلب الأموال، وفي النهاية هي مهنة بياع كلام.
المثير للاستفزاز أن كثيرًا ممن يحصلون على ما يطلق عليه كورس مدرب دولي معتمد ينشأون صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “دكتور فلان”، هذا الأمر الذي يثير غضب الأطباء وخاصة الأطباء النفسيين الذين أفنوا حياتهم للعلم والدراسة، ليأتي هؤلاء الأشخاص بمنتهى البساطة ويساوون أنفسهم بالأطباء، بل ويعطون الحق لأنفسهم في تقديم استشارات نفسية دون دراسة وافية تعطيهم ذلك الحق، ولم تكمن الكارثة في غضب الأطباء فقط بل تخوفهم على مصير المرضى ضحايا هؤلاء الذين يقدمون النصائح والاستشارات دون أسس علمية.
وهنا وجب طرح عدة أسئلة هامة.. هل هؤلاء الأشخاص لديهم من العلم الكافي والوافي لمنح استشارت نفسية وحل المشاكل الحياتية؟ -هل اللايف كوتش لديه القدرة على تمييز وجود مرض نفسي من عدمه؟.
هذا ما سنرصده خلال التقرير التالي..
خبايا وأسرار اللايف كوتيشنج .. كارنيه ب 10 جنيهات وكورس بـ15 ألف جنيه
اخترقت “الحرية” عالم اللايف كوتشينج، وتواصلت مع إحدى الفتيات التي عملت سابقًا في مجال التسويق الإليكتروني لكورسات اللايف كوتشينج والتنمية البشرية، والتي رفضت الإفصاح عن هويتها، فيما أكدت في بداية حديثها معنا أن “اللايف كوتيشنج فكرة فاشلة وما هي إلا نصب في نصب، متسائلة ماذا يعني أنني مختلفة مع شخص وأذهب لطرف ثالث يُدعى لايف كوتشينج لا يملك علم كافٍ لحل مشاكلي، بأي منطق وأي عقل؟.
وشددت، أنه لا بد أن من يعمل لايف كوتشينج يكون سوي نفسيًا وأكثر من تعاملت معهم يحتاجون للعلاج النفسي قبل أن ينصحوا الأخرين، الناس إذ ذكرت أن إحدى زميلاتها بذات مركز التدريب قالت لها أنها ترغب في الحصول على الكورس وتعمل لايف كوتش، في حين أنها ذاتها تعيش حياة مأساوية مليئة بالمشاكل مع زوجها، كما أنها كانت متزوجة من أخر وانفصلت فكان عليها حل مشاكلها أولًا قبل أن تفكر في ذلك.
وأوضحت، أن كورس اللايف كوتش تتراوح تكلفته بمراكز مختلفة بين 7 : 15 ألف جنيه، كما أن الكارنيه كانت تذهب بنفسها لطباعته بتكلفة تتراوح بين 7 : 10 جنيهات، وربما زاد في الوقت الحالي قليلًا ويمنح للمتدربين على أنه معتمد من الـ icf وهو برنامج التدريب الدولي المعتمد وهذا غير صحيح.
واستكملت حديثها قائلة “كنا بنكتب في الإعلان إن اللي هياخد الكورس هيشتغل بعدها ومش هنسيبك وإنك هتكون مدرب معتمد من ال icf وكانوا بيجهزوا له حالات من المكان كنوع من أنواع التحفيز وكسب ثقة العميل أو المتدرب، في حين أن المتدرب غير معترف به من الاتحاد الدولي للكوتشينج، وفيه شخص حصل على كورسين وبعدها فتح مكان وبدأ يسوق لنفسه ويقول أنا دكتور صحة نفسية ولايف كوتش من الـ icf”،
وأردفت ساخرة “كل واحد فاضي ياخد كام كورس ويعمل بيدج ويسوق لنفسه ويصور الكارنيه ويصدق نفسه ويبدأ يدي نصائح، رغم أنه لو تعب نفسه شوية وعمل سيرش على موقع ال icf مش هيلاقي اسمه مدرب معتمد زي ما بيروج”
وتابعت ” اللايف كوتشينج لا يعتمد على أسس علمية، هما بيحطوا مواد علمية بمزاجهم، وبيضيفوا مواد وبيخترعوا تخصصات أول ما الدنيا بتزنق معاهم شوية في الفلوس ومفيش كورسات ولا متدربين يبدأوا يخترعوا أنواع كورسات، ويدخلوك من كورس تخرج منه يدخلوك في غيره عشان يستنزفوك ماديًا تحت شعار عشان تكون جاهز تبقى لايف كوتش.
وحول سؤالها عن أسباب ترك العمل بهذا المجال أجابت: “قررت أسيبه لما فهمت وعرفت إنه نصب كنت عارفة من الأول بصراحة إنه فيه نصب شوية بس ماكنتش متخيلة إنه بالحجم ده”.
كما كشفت أنها كانت تتقاضى راتبًا شهريًا 2500 جنيهًا، وكان متفق أن تحصل على نسبة من التسويق، ولكن هذا نادرًا ما حدث، لدرجة أنها ذات مرة وصلت أرباح مركز التدريب خلال شهر واحد إلى مائة ألف جنيه وحصلت منهم على 2000 جنيه فقط في ظل تقديم مبررات من ملاك المركز، الأمر الذي أثار غضبها، ومع كثرة التراكمات بداخلها وخوفها من أن “فلوسها حرام”، قررت ترك العمل بهذا المجال بعدما تأكدت مليون بالمائة أن الأمر نصب وليس علم.
الدكتور جمال فرويز: سبوبة وسببها جهل الناس واستمرارية اعتقادهم أن المرض النفسي وصمة عار
قال الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، إن المرض النفسي عند الكثير وبكل أسف مازال وصمة عار ويعتقدون في أنفسهم أنهم بالذهاب لـ “لايف كوتشينج” سيساعدهم، وبكل أسف هم لا يتفهمون الفرق بين الطبيب النفسي والأخصائي النفسي واللايف كوتش.
وأضاف “فرويز” خلال حديثه لـ”الحرية”، أن اللايف كوتش هو شخص يساعد في تغيير نمط حياة ولا علاقة له بالمرض النفسي مثل تغيير نمط الحياة في عملي مع أولادي وهكذا، أما المرض النفسي متعلق بالمخ وعلاجه عند الطبيب النفسي فقط.
أما الأخصائي النفسي، فهو مسئول عن إجراء الاختبارات النفسية للمريض النفسي وفي حالة دراسته لعلم النفس الإكلينيكي يعمل معالج نفسي ولكن بدون أدوية.
وحول اتجاه اللايف كوتش لعلاج المشاكل الأسرية والزوجية تساءل فرويز ساخرًا: بناءً على إيه؟، وما الخبرات التي يعملون على أساسها؟، فهناك مشكلات كثيرة مبنية على اضطرابات شخصية وانتشارها الضخم في المجتمع أو الأمراض النفسية التي وصلت لـ26 ٪ من المجتمع، فهل اللايف كوتش كفيل بتغيير ذلك؟، وماهي خبراته الحياتية كي يستطيع إعطاء الخبرة للناس الأخرين؟.
وتابع قائلًا: الأمر الثاني هل اللايف كوتش يستطيع تمييز وجود مرض نفسي من عدمه، وبالتالي يبني كل شغله على نمط الشخصية والمرض الموجود، فإذا لم يملك القدرة على تمييز ذلك، فكيف ستتمكن من مساعدة أصحاب المشكلة؟، فهناك أمور شائكة كثيرة إلى جانب المسئولية الجزئية الفنية.
وتساءل أستاذ الطب النفسي أيضًا: إذا أخطأ اللايف كوتش من المسئول؟، وهل لديه مكان مرخص؟، مشيرًا إلى أنه عندما يخطئ أحد يلجأ الأشخاص لجهة ما للشكوى، فـ على سبيل المثال الطبيب النفسي عندما يخطئ، فهناك نقابة الأطباء مسئولة عن محاسبته إذا أخطأ، أما هذا المدرب من سيكون مسئولًا عن محاسبته، فجميعها نقاط يجب التدخل فيها.
واختتم: السوق أصبح “سداح مداح”، أي شخص يريد أن يفتتح مركز تدريب يفعل ذلك بدون وجود أي وازع للمراقبة عليه، فمهنة اللايف كوتش ما هي إلا سبوبة مادية ومهنة من لا مهنة لا ويستغلون عدم فهم الناس وربما جهلهم.
الدكتور وليد هندي: اللايف كوتش مهنة من لا مهنة له.. ولا يوجد ما يسمى علاج بالكلام
وقال الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية، إن وسائل الإعلام تناولت المرض النفسي والمريض النفسي بطرق متنوعة ومتدرجة ومتطورة ومختلفة باختلاف العصور والأزمنة وكانت السينما المصرية منذ وقت قريب تتناول المريض النفسي بشيء من السخرية والاستهزاء والتنمر في بعض الأحيان مثل أفلام إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين وعبدالمنعم مدبولي وفؤاد المهندس عندما قال له “أنا مش قصير أوزعة أنا طويل وأهبل” فكان هناك نوعًا من الاستهزاء وعدم وعي بالمرض النفسي وعدم وضع المريض النفسي في قدره الصحيح.
وتابع “هندي” خلال حديثه لـ “الحرية” مع تطور السينما ودخولها عصر الألوان شهدنا تناول بعض الأفلام في حقبة الثمانينات وأوائل التسعينات بشكل معقد وبه نوعا من الغموض، كما حدث في فيلم “أرجوك اعطني هذا الدواء”، عندما ظهر بالسكسكوكة والڤايب متحدثًا للغير من الخلف وهذا أمر غير صحيح عن المريض النفسي، إذ كان قد حدث التباس في مجموعة من الأفلام مثل فيلم للفنانة سعاد حسني عندما تقمصت دور أكثر من شخصية عندما وصفها حالة انفصام ولم تكن انفصام بل كانت ازدواجية في الشخصية.
وأضاف استشاري الصحة النفسية، أنه بعد ذلك بدأت وسائل الإعلام في مرحلة أخرى تتناول المرض النفسي بشكل أكثر جدية ولكنها كانت جدية غير موفقة وغير معروضة بمرجعية علمية سليمة، ومع ظهور السوشيال ميديا كوسيلة إعلامية مهمة في حياة الناس والموبايل أصبح في اليد بشكل دائم وانتشار مقاطع فيديو ووحود صفحات متخصصة لطرح الرؤى المتخصصة تجاه بعض الأمراض النفسية اختلف طريقة تناول المرض النفسي عبر السوشيال ميديا ولكن أصبح هناك وعي بالاحتياج له وأصبح هناك من يتفهمه ومع تزايد الأمراض النفسية وانتشارها أصبح الجمهور المتعرض للمشاكل النفسية كبير ولكن يحسب على هذا الحديث أن نفس الأخطاء الموروثة في تناول المرض النفسي من قبل وسائل الإعلام التقليدية أصبحت أكثر فجاجة على السوشيال ميديا.
وأشار “هندي” إلى أننا شاهدنا كثيرًا مؤخرًا مصطلح الشخصية التوكسيك أو الشخصية السامة، مؤكدًا أنه علميًا لا يوجد ما يسمى بشخص توكسيك، وهذا المصطلح غير مدرج في المراجع العلمية ولا يتم تدوين هذا المصطلح في النشرات العلمية والدوريات الثابتة، وعلمًيا هذا المصطلح غير موجود بالدليل التشخيصي للطب النفسي والإحصاء الذي يمثل مرجعية الأطباء النفسيين، ربما بعض الشباب المجتهد الذي يتحدث بلغة السوشيال ميديا ولغة العصر مثل “الكراش” والفرانكو أراب يبدأون يروجون لمصطلح الشخصية التوكسيك، ويوصفونها بما ترأى لهم مخترعين شخصية جديدة، موضحًا أنه هناك ما يسمى بالفعل الشخصية السامة ولها صفات وربما تجمع بين السيكوباتية والنرجسية، ولكن طريقة العرض لمقاطع السوشيال ميديا لم تنقل المرض النفسي بصورة واضحة أو صورة علمية مقننة بل تنقله بصورة مشوهة تفتقد المهنية والبعض يطور ذلك من خلال إنشائهم لصفحات فضفضة أو مايسمونها علاج نفسي، ولكن الجانب الأخر يكون هدفه استدراج النساء والابتزاز الإليكتروني والمتاجرة بأحلامهم وينقلون أراء غير متخصصة بالمرة وغير مهنية، لأن القائمين على مثل هذه الصفحات غير مؤهلين تأهيل مهني كامل أو قويم وغير مدربين على العنصر البشري ولا يوجد لديهم أدوات القياس الخاصة بالأمراض النفسية أو تشخيصها أو قياس درجاتها، كما أنهم لا يمتلكون برنامج علاجي مقنن ومعترف به بل يعطون للناس خبراتهم الحياتية وفقا للأهراء الذاتية وهذا لا يعني تجاهل دور العلاج السلوكي ولكن يجب أن يتم مع متخصص وليس مجرد قارئ بل متخصص متخرج من جامعة معترف بها ومكتوب ببطاقته مؤهله العلمي.
وأكد الاستشاري النفسي، أن اللايف كوتش ليست مجرد مهنة من لا مهنة له بل وصل الأمر إلى أن كل شخص قرأ كلمتين وأخد دبلومة “ولا يوجد ما يسمى دبلومة بل هي كارتونة بيضحكوا بيها عالناس وبيقولوا على نفسهم متخصصين ومعالجين بالكلام، ولا يوجد ما يسمى علاج بالكلام بل يوجد علاج معرفي وعلاج سلوكي وعلاج بالسيكودراما وهناك طرق علاج مختلفة غير الأدوية.
وتابع أن العلاج المعرفي والسلوكي والعلاج بالتعلم والاستبصار جميعها أشكال علاج هامة جدا ولكنها لها مقاييس وأدوات وطرق تقويم وتقييم كي نعرف إلى أين وصل المريض ولابد أن من يقوم عليها مؤهل ومدرب حتى أن المقابلة بيم المريض والمتخصص يجب أن تكون مهنية ولها معايير ومراحل ولغة حوار ومهارات تواصل واحترام لحظات الصمت عند العميل والتعرف عليه من خلال نبرات صوته ومعرفة كيفية استدعاء كل ما يجول في بنائه النفسي من خبرات سابقة حتى لا يقسو عليه فكل ذلك تكنيكات في التعامل مع المريض وغير ذلك يمثل عبث بشري.