تتعدد أسباب الهروب من المدرسة وطرقها خاصة في المرحلة الثانوية وأواخر المرحلة الإعدادية، وعلاج مشكلة الهروب لم يكن مسئولية طرف واحد بل هي مسئولية مشتركة بين الأهل والمدرسة، وفي هذا الإطار تسعى وزارة التربية والتعليم لللقضاء على تلك الظاهرة ووضعت عقوبات لمواجهتها.
عقوبة الهروب من المدرسة
حددت وزارة التربية والتعليم عقوبة هروب الطلاب من المدرسة، فى إطار الاستعداد للعام الدراسي الجديد المقرر انطلاقه 30 سبتمبر الجارى، موضحة أنه يتم توجيه الطالب وتوعيته بمسئولياته تجاه مستقبله من قبل الأخصائى الاجتماعى وإخطار ولى الأمر فى نفس اليوم الذى هرب فيه الطالب وتحويل الطالب للاخصائى الاجتماعى والنفسى لمعرفة ظروف وأسباب هروب الطالب من المدرسة مع أخذ تعهد على ولى الأمر والطالب وإثبات ذلك فى سجلات المدرسة.
وفى حالة تكرار المخالفة يتم تحويل الطالب إلى لجنة الحماية المدرسية بشأن تخفيض درجة السلوك بنسبة لا تجاوز 15%، وفصل الطالب لمدة لا تجاوز 7 أيام، مع عرض الطالب إلى لجنة الحماية الفرعية بالإدارة التعليمية لاتخاذ قرار بنقله إلى مدرسة أخرى.
عقوبات غير رادعة
وفي هذا الإطار، أكدت دكتورة بثينة عبدالرؤوف، الخبيرة التربوية، أن العقوبة المُحددة غير رادعة بل أن الطلاب سيفرحون بقرار فصلهم إذا تم تنفيذ القرار، بل ومن الممكن أن يتعمدوا الهروب أمام المدرسين حتى يُفصلوا أو تُطبق العقوبة عليهم، مشيرة إلى أن الطلاب بالصفين الأول والثاني الثانوي نسبة حضورهم ضئيلة في المدرسة لاعتمادهم على الدروس الخصوصية.
وأضافت «عبدالرؤوف» في حديثها لـ«الحرية»، أن المدرسين أيضًا يحبون غياب الطلاب، لأن الحصص بتكون مرهقة بالنسبة لهم وهم لا يريدون أن يبذلوا مجهود في المدرسة، موضحة أن المدارس تختلف من واحدة إلى أخرى في الانضباط، بحيث تسلم الشهادة للطالب بعد التخرج بدون أي عقوبات، أما المدارس المُنضبطة ترفض تسليم شهادة حُسن السير والسلوك.
وواصلت الخبيرة التربوية حديثها قائلة، الطلاب في الوقت الحالي يعتبرون المدرسة عبء عليهم، ولا يلتزمون بقراراتها ولا يعنيهم أهمية الحضور والانضباط، ولكن بعض المدارس الخاصة تمنع الغياب من المدرسة لمدة أسبوع لأي سبب من الأسباب، احترامًا للائحة والضوابط، وبعض المدارس الحكومية للطلاب المتفوقين.
وشددت «عبدالرؤوف»، على أن العقوبة التي أقرتها الوزارة بالفصل 7 أيام للهروب غير صائبة بالمرة، إلا إذا وفروا عملية دراسية جيدة تجذب الطلاب للحضور، وبالتالي سيكون الطلاب هم المقصرين بحق المدرسة وبحق أنفسهم.
قرارات فرط قوة لا علاقة لها بالواقع
ومن جانبه، قال الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية، إن الهروب من المدرسة من أخطر المشكلات المدرسية والتربوية التي لها أبعاد سلوكية وأبعاد نفسية وأبعاد متعلقة بالواقع الاجتماعي الذي يعيشه الطالب، وتعتبر هذه من أكثر المشكلات الموجودة في المدرسة.
وأوضح “هندي”، أن الهروب من المدرسة مشكلة عالمية لاتقتصر على وجودها في مصر فقط، بل حتى في الولايات المتحدة الأمريكية التي تُعد من أعظم الدول في المجال التعليمي حيث تقدر نسبة الهروب من المدرسة في الولايات المتحدة حوالي 5% من الطلاب، وأيضًا في بعض الولايات مثل نيويورك تصل فيها حالات الهروب الى 18،3%، ومدينة أليستورب تصل النسبة فيها إلى 47%، وتعتبر هذه نسبة ضخمة جدًا، وهناك أيضا ولاية كونيكات التي تصل فيها نسبة هروب الطالب من المدرسة إلى 25%، وبالنسبة لمصر توجد دراسة لشخص يدعى عبدالله لسنة 1958، قال فيها أن نسبة 47% من طلاب المدارس الإعدادية والثانوية يقومون بالهروب من المدرسة.
وذكر استشاري الصحة النفسية، أن الهروب من المدرسة له أبعاد اجتماعية كثيره متعلقة تأتي معظمها في الأرياف وفي الصعيد، أن الطلبة تذهب لجمع القطن بدلاً من الهروب من المدرسة من أجل مساعدة أهلها في المعيشة في مواجهة المعيشة، إضافة إلى أن أسباب أخرى متواجدة في الريف أو في الحضر، على رأسها أن الطلاب لا تكون لديها رغبة في التعليم.
واستكمل «هندي» حديثه قائلًا، “عدم رغبة الطلاب في التعليم قد يكون نابعًا من البيئة المقيمين بها، إما البيئة الحرفية فيلجأ للعمل بسن صغير، ويكون متعايشًا في وسط اجتماعي واقتصادي متدني، فيرى أن النموذج الأمثل سائق التاكسي الذي يمتلك سيارة يكون له نموذج ومُحفز، وقد يكون من النماذج التي تتابع منصة التيك توك وتشاهد حمو بيكا وحسن شاكوش وغيرهم، ويراهم النموذج الأمثل في الوقت الحالي أو محمد صلاح في لعبة الكرة، فيعتقد الطلاب أن الاعتماد على الموهبة هو الأفضل ولا ينظر إلى التعليم.
وأشار في حديثه إلى أن الظروف الاجتماعية هي التي تؤدي إلى أن الطالب لا يكون لديه دوافع داخلية ورغبة في التعليم فتجعله يهرب من المدرسة، ويُعتبر الإهمال الأسري وعدم متابعة الأبناء من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم مشكلة الهروب، لأن بعض الأهالي لا تهتم بمتابعة الأبناء أو السؤال عليهم وتصل في بعض الأحيان إلى أن الآباء لا تعلم في أي سنة دراسية يدرس ابنهم ويتعاملون معهم كأنهم مجرد ماكينة “ATM” ، فيأتي الإهمال الأسري من أبرز عوامل مشكلة هروب الطلاب من المدرسة
وتابع استشاري الصحة النفسية، أن أصدقاء السوء لهم تأثير كبير، فعلى سبيل المثال يخبرونهم أن التعليم لا يوجد منه منفعة، ويبدأون بالتأثير عليه بالكلام إلى أن يتخلف عن الذهاب إلى الدروس، كل ذلك بسبب أصدقاء السوء، إضافة إلى أن المدرسة مم الممكن أن تكون بيئة طاردة للطالب نفسه، وبالتالي فإنها تحثه على الهروب سواء كان فيه روتين ومعلمين ليسوا تربويين واستخدام المعاملة القاسية مع الطلاب كل ذلك يكون من ضمن الأسباب.
كما أشار أيضًا إلى أن بعض المدارس لا يكون فيها حصص نشاط فقد تغفل عن هذا الأمر الذي يمتص المشاعر السلبية لدى الطلاب فتعيد له النشاط مثل نشاط الكرة والموسيقى والصناعة اليدوية، والرحلات سواء كانت الرحلات التعليمية أو تثقيفية تكون متعلقة بتوطين الطلاب وعلاقته بالمجتمع وتنمية مفردات الولاء له، كل ذلك لم يُعد موجودًا، مما قد تساعد في الهروب.
وأضاف: “والأسوأ هو تعرض الطالب للتنمر داخل المدرسة مما يجعله داخل بيئة طاردة نتيجة عدم وجود رقابة من إداريين المدرسة، مضيفًا أنها من أخطر الأشياء في بيئة المدرسة وتجعلها طاردة هو عدم تفعيل دور الأخصائي الاجتماعي والأخصائي النفسي الذي يلعب دور تربوي محدد في فحص المشاكل وعمل سجل لمتابعة التأخر الصباحي للطالب”.
وحذر “هندي”، ان وجود فجوة في الاتصال والتواصل بين الأهل والمدرسة تُعد سببًا في الهروب، مع غياب دور الأخصائي الاجتماعي الذي يجعل من المدرسة بيئة غير جاذبة، وبالتالي الطالب يهرب، مع غياب العقوبات الرادعة للطالب الذي يهرب من المدرسة مما أدى إلى فرض الوزارة بعض الحلول لأنه إن لم تفرض عقوبات وتضع حلول واضحة للأزمة سيكون هناك آثار وانعكاس مترتبة على هروب الطالب مثل:
-تدني في مستوى التعليم للطلاب الذي يؤدي إلى تدني المستوى المهني ويجعلنا نفقد أشخاص يمكن أن يكونوا مهندسين وأطباء، ويترتب إلى تعريض حياة الطالب وسلوكياته إلى خطر، مثل التدخين، بجانب أن هروب الطلاب الواحد يكون محفز لباقي أصدقائه المستقيمة على الهروب.
– وينعكس هروب الطالب أيضًا على الأسرة عن طريق المشاجرات والخلافات الأسرية.
وطرح استشاري الصحة النفسية أهم الحلول لمعالجة هروب الطالب من المدرسة وتتمثل في:
– يجب أن تتضمن الخطط التي تضعها الوزارة حصص ترفيهي، والنشاط، وبرامج لرعاية السلوك، وبرامج النشاط العام والرحلات بالنسبة للطلاب.
– ومن المهم أن يأخذ المعلمين دورة المعلم المرشد، ليتعلم كيف يتأهل تربوي في التعامل مع مشكله الطالب.
– ومن المهم أيضًا تفعيل دور الأسرة ، بجانب تفعيل دور الأخصائي الاجتماعي والأخصائي النفسي.
– ويجب أن يكون هناك حزمة من القوانين الرادعة لوقف هذه الظاهرة، وهذا ما وضعتها وزارة التعليم لقرارات هذه السنه 2023 من خلال عمل تخفيض في درجات حسن السير والسلوك.
وشدد على أن قرار الوزارة الثاني الذي يمارس على الطالب فرط قوة، وهو قرار نقل الطالب لمدرسة أخرى، بدلًا من أن نعمل على حل المشكلة تربويًا، وتحفيز الطالب الذي يهرب من المدرسة إلى الرجوع والانصراف مع الوقت ساخرًا من عدم وجود مدارس تستوعب أعداد الطلاب كي تضم أخرين.