تبنت الحكومة خلال السنوات الماضية عددًا من المشروعات القومية الكبيرة، على مساحات شاسعة كلفت الدولة مليارات الجنيهات، بالفعل أحدثت ضجة وقت الإعلان عنها، وتم تسخير دعاية ضخمة لها وقت افتتاحها، وأيضًا أعلنت عن أنها ستنقذ الاقتصاد المصري وستحل كافة المشاكل والأزمات الاقتصادية فى الفترة المقبلة، لكنها في النهاية ومع مرور الوقت تخبو ولا نجد لها أي أثر على أرض الواقع ويكون الفشل حليفها.
بالرغم من أن فشل تلك المشروعات يظهر جليًا أمام المواطن الذي لم يلمس أى فائدة منها، خرج علينا رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي بتصريحات تفيد أن الدولة حققت إنجازات غير مسبوقة لم تحدث منذ عقود في كافة النواحي على مدار أكثر من 9 سنوات.
“الحرية” رصدت عددًا من المشروعات التي أعلنت عنها الحكومة والنتائج التي وصلت إليها، وحجم الخسائر التي تسببت فيها.
مدينة الأثاث الجديدة بدمياط
فى مايو 2017 أعلنت الحكومة عن إنشاء مدينة الأثاث بدمياط بقرية شطا واعتبارها إحدى المشروعات القومية الكبرى، على أن تقام على مساحة قدرها فدانًا على تقاطع الطريق الساحلي الدولي مع طريق بورسعيد / دمياط.
وكان من المقرر أن تضم مدينة الأثاث بدمياط 54 حظيرة تحتوي على 1348 مصنعًا وورشة ومركزًا لتكنولوجيا الأثاث، وتهدف حسبما ذكرت الحكومة وقتها إلى دعم صناع وحرفيي الأثاث في دمياط، بالإضافة إلى المساهمة صناعة الأثاث في الناتج القومي، ورفع حجم صادرات الأثاث إلى الخارج.
وفى عام 2019 افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي مدينة الأثاث، وأعلن أنها أول وأكبر منطقة صناعية متخصصة في صناعة الأثاث والصناعات التكميلية في الشرق الأوسط، وتعتمد على التكنولوجيا الحديثة.
خسائر مدينة الأثاث الجديدة بدمياط
يُذكر أنه تم تدشين المدينة برأس مال 3.625 مليار جنيه مصري (22.7 مليار دولار بأسعار ذلك الوقت)، ورُغم ذلك لم تتحقق أى من الأهداف المعلن عنها، حيث صرحت الدكتورة منال عوض محافظ دمياط عن تحقيق خسائر مالية كبيرة، تمثلت في أن عدد الورش المباعة لم يتخط 440 ورشة فقط من أصل 1348. ومن بين الورش المباعة التي تسلمها أصحابها، لا يعمل وينتج سوى 240 ورشة مستلمة قط. وهو ما يعني أن هذا المشروع لا يعمل سوى بخُمس طاقته منذ افتتاحه قبل 3 سنوات.
وخلال المؤتمر الاقتصادي عام 2022 أشار السيسي في الكلمة الختامية إلى أن أحد أهم عوامل عدم نجاح المشروعات الكبرى هي عدم ملائمة البيئة الاجتماعية، مستدلا على ذلك بمدينة الأثاث الجديدة في دمياط، قائلا” أهالينا في دمياط ماراحوش يشتغلوا في المدينة لأنهم متعودين الورش تكون تحت البيت”.
مزرعة “بركة غليون” السمكية
فى عام 2015 أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بإنشاء أكبر مزرعة سمكية في الشرق الأوسط وإفريقيا في منطقة “بركة غليون” على مساحة 4 آلاف فدان والتي تقع على الطريق الدولي الساحلي، والتابعة لمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ.
واعتبرت الحكومة آنذاك أن هذا المشروع من أهم المشروعات القومية، وتم تخصيص 14 مليار جنيه له ، على أن يضم عدة مصانع بالإضافة لمفرخ للأسماك والجمبري، ووحدات زراعة مكثفة، كل ذلك تحت إشراف الشركة الوطنية للثروة السمكية والأحياء المائية، وبالفعل تم افتتاحه فى نوفمبر 2017.
كان من المفترض أن تعمل مزرعة “بركة غليون” على زيادة الثروة السمكية فى مصر بنسبة 75% الأمر الذى يؤدي إلى توفير احتياجات السوق المحلى والخاريى وتوفير العملة الصعبة.
فى الوقت الذى كانت هيئة الثروة السمكية تؤكد على أن ذلك المشروع سيزيد من إنتاجية مصر بمعدلات ضخمة تصل لحد تحقيق الاكتفاء الذاتي، وبالتبعية سيحدث انخفاض في أسعار الأسماك إلا أنه حدث العكس قفزت الأسعار بشكل كبير جدًا.
يمكن القول أن ذاك المشروع قد فشل فشلا ذريعًا إذ لم يحقق أى من أهدافه سواء كانت الإكتفاء الذاتي أو التصدير، ففي أغسطس الماضي، كشف الدكتور هاني المنشاوي رئيس اتحاد الصناعات ببرج العرب أن تصدير الأسماك إلى سوق الاتحاد الأوروبي توقف منذ قرابة 6 سنوات، وذلك بسبب استخدام بعض المغذيات المرفوضة من قبل الاتحاد الأوربي، بالرغم من أن معظم الصادرات لهذا السوق من نتاج البحرين الأحمر والمتوسط.
وبالرغم من أن مصر تعد من أهم الدول المنتجة للأسماك حيث تقوم بانتاج قرابة 2.4 مليون طن، وتحتل المركز الرابع عالميا والأولى إفريقيا في هذا النشاط، إلا أنه ارتفعت أسعار الأسماك بشكل جنونى فمثلا بعد أن كان سعر السمك البلطى عام 2017 يبدأ من 11 جنيه إلى 28 جنية للكيلو وصل سعره الآن إلى من 85 إلى 95 جنيها للكيلو، قس على ذلك كافة أنواع السمك.
هذا الارتفاع المبالغ فيه وغير المسبوق في أسعار السمك دفع النائب عادل عامر عضو مجلس النواب للتقدم بسؤال لرئيس مجلس الوزراء بشأن ارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق.
وأيضًا، فى الوقت ذاته تقدم النائب محمود شعلان، عضو لجنة الزراعة والري بمجلس النواب، بطلب إحاطة للمستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس المجلس، موجه لرئيس مجلس الوزراء، ووزير الزراعة، بشأن إنتاج مصر من الثروة السمكية وارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق بصورة كبيرة.
محطة الكهرباء العملاقة
هناك مشروع ثالث من المشروعات القومية التى تم الإعلان عنها وهو محطة كهرباء غياضة بمحافظة بنى سويف والتى تعد من أكبر المحطات على مستوى العالم، وتعتبر أيضا من أكبر 3 محطات تم إنشاؤها فى مصر.
وجاءت الموافقة على هذا المشروع بعد التوقيع على مذكرة التفاهم خلال فعاليات المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ فى مارس 2015، وذلك بالاشتراك مع شركة سيمنز الألمانية وتحالفها شركة السويدى.
وبلغت تكلفة محطة كهرباء غياضة نحو 2 مليار و500 ألف يورو، وتقع على مساحة 85 فدانا، واستغرق تنفيذ المشروع 3 سنوات، وفي يوليو عام 2018، افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي المحطة -بواسطة الفيديو كونفرانس- خلال افتتاحه محطة كهرباء العاصمة الإدارية الجديدة، وفق الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية.
وأعلنت الحكومة عن أن إنشاء محطة الكهرباء هذه وغيرها من المحطات من شأنها تحقق فائض فى الكهرباء وتحل أزمة الكهرباء فى مصر، بل سيتم تصدير الكهرباء إلى دول العالم.
ولكن الصيف الماضي ومع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الاستهلاك حدثت أزمة كبيرة فى الكهرباء، إذ كان يحدث انقطاع فى الكهرباء يوميا ولساعات كبيرة وهو ما أثار غضب المواطنين وقتئذ.
وبرر رئيس جهاز تنظيم الكهرباء السابق الدكتور حافظ سلماوى سبب انقطاع الكهرباء قائلا “حصل نوع من الانخفاض في تدفق ضغط الغاز في حدود 10% ولم يكن المازوت المتوفر كافياً”.
حقيقة الأمر يعتبر موضوع تخفيف الأحمال والعمل عن بعد للحكومة مجرد حلول قصيرة المدى تنذر بمزيد من الأزمات في المستقبل ما لم يتم اتخاذ حلول أكثر استدامة.
وبدوره قال الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال كلمته فى مؤتمر “حكاية وطن”: إن تخفيف أحمال الكهرباء لمدة ساعة في اليوم، يوفر 300 مليون دولار شهرياً، موضوع الكهرباء اللي بتتقطع نقدر نخليها متتقطعش، لكن طارق يجيب منين؟ محدش يداري وشه منها، طارق بيبيع الغاز وبنسيبه يبيع عشان يجيب البترول اللي بنخليه سولار وبنزين للناس”.
الآن يكتوي المصريين بنار انقطاع الكهرباء من ناحية، وارتفاع أسعارها من ناحية أخرى، والذي سترتفع مع بداية العام المقبل.
الجدير بالذكر أن محطة كهرباء غياضة من المقرر أن تدخل ضمن برنامج الطروحات الحكومية، حيث تعتزم شركتي أكتيس البريطانية، وإدرا باور الماليزية تقديم عروض لشراء أكبر قدر من الملكية الكاملة لمحطة كهرباء “سيمنز” في محافظة بني سويف في صفقة تبلغ قيمتها حوالي 2 دولار.
الرابط المختصر https://alhorianews.com/94gn