كتب: رفيدة عادل
صدر اقتراح خصخصة المستشفيات الحكومية وتحويلها إلى مستشفيات خاصة تحت إدارة المستثمرين في عام 2024، وهو قرار أثار جدلًا واسعًا بين مؤيديين ومعارضين، حيث لا يزال قيد التنفيذ وسط حالة من الانقسام بين الجهات الرسمية والمجتمع الطبي.
أهداف خصخصة المستشفيات الحكومية
تهدف الحكومة من خلال هذا القرار إلى تحقيق عدة فوائد، من بينها:
رفع كفاءة المستشفيات: إذ تُعرف المستشفيات الخاصة بمستوى كفاءتها العالية مقارنة بالمستشفيات الحكومية، نظرًا لتوفر الموارد والإدارة الأفضل.
تخفيف العبء عن الحكومة: حيث تتحمل الدولة مسؤولية تشغيل المستشفيات الحكومية بكافة احتياجاتها، ما يشكل عبئًا كبيرًا على الموازنة العامة.
تحسين مستوى الخدمة الصحية: إذ يؤدي تحويل المستشفيات إلى القطاع الخاص إلى زيادة التنافسية بين المؤسسات الصحية، مما يساهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمرضى.
أنواع الخصخصة
الخصخصة الكاملة:
يتم نقل ملكية وإدارة المستشفيات بالكامل من الحكومة إلى القطاع الخاص. يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى تحسين جودة الخدمات الصحية من خلال تعزيز الكفاءة والابتكار.
ومع ذلك، قد يثير هذا النموذج مخاوف بشأن إمكانية ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وتأثير ذلك على الفئات ذات الدخل المحدود.
الخصخصة الجزئية:
تتضمن الخصخصة الجزئية مشاركة القطاع الخاص في إدارة وتشغيل المستشفيات دون نقل الملكية بالكامل.
ويمكن أن يتم ذلك من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP)، حيث تتعاون الحكومة مع الشركات الخاصة لتقديم الخدمات الصحية. يهدف هذا النموذج إلى الاستفادة من خبرات القطاع الخاص مع الحفاظ على دور الدولة في تقديم الرعاية الصحية.
التعاقد الخارجي:
في هذا النموذج، تحتفظ الحكومة بملكية المستشفيات، لكنها تتعاقد مع شركات خاصة لتقديم خدمات محددة داخل المستشفى، مثل الصيانة أو خدمات التغذية. يهدف هذا النهج إلى تحسين كفاءة تقديم هذه الخدمات مع تركيز المستشفى على الرعاية الطبية الأساسية.
في مصر، صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي على قانون يمنح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية، مما يفتح المجال أمام مشاركة القطاع الخاص في إدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية.
وقد أكد وزير الصحة والسكان أن هذا القانون يهدف إلى تحسين جودة الخدمات الطبية المقدمة للجمهور، ولا يتضمن بيعًا أو خصخصة للمستشفيات، بل يسعى إلى تعزيز التعاون مع القطاع الخاص لتطوير القطاع الصحي.
جدل واسع حول القانون
أثار هذا القرار انتقادات حادة من قبل عدد من النواب ونقابة الأطباء، فقد أعربت النائبة أميرة صابر، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، عن رفضها لخصخصة المستشفيات الحكومية، معتبرة أن القانون صدر بشكل متسرع دون نقاش مجتمعي كافي أو إشراك أصحاب المصلحة الحقيقيين. وحذّرت من أن تطبيقه قد يؤثر سلبًا على قانون التأمين الصحي الشامل، بدلًا من تعزيز إمكانيات القطاع الصحي العام.
كما أشار إبراهيم الزيات، عضو مجلس نقابة الأطباء، إلى أن نسبة المؤيدين للقانون بين الأطباء تكاد لا تتجاوز 1%، معتبرًا أن النظام المقترح، الذي يُعرف بنموذج PPP (الشراكة بين القطاعين العام والخاص)، قد فشل في دول أخرى مثل بريطانيا.
وأكد أن النقابة لم تُستشر في القانون وعلمت به بالصدفة، دون أي مناقشات رسمية.
مخاوف داخل الأوساط الطبية
في السياق نفسه، أوضحت “هبة.م.م”، طبيبة امتياز في مستشفى القصر العيني، أن القرار يعتمد على تأجير المستشفيات الحكومية للمستثمرين لفترة زمنية محددة، حيث يتم تقسيم المستشفى إلى جزء حكومي وآخر خاص، مع منح المستثمرين حق تغيير الطاقم الطبي في أي وقت.
وترى الطبيبة أن الفئات الفقيرة والأقل من المتوسطة لن تكون قادرة على تحمل تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة، خاصة أن عددًا كبيرًا منهم غير مُؤَمَن بالتأمين الصحي الذي يغطي تكاليف العلاج.
كما تحدثت عن الوضع الحالي داخل مستشفى القصر العيني، حيث تعاني المستشفيات الحكومية الكثير من المرضى نتيجة ارتفاع الأسعار في القطاع الخاص، مما يؤدي إلى تقصير في الرعاية الصحية بسبب الضغط الهائل على الأطباء والممرضين.
القطاع الصحي والتعليم الطبي
أشار عدد من الأطباء إلى أن المستشفيات الحكومية تُعد بيئة مهمة لتدريب الأطباء الجدد، حيث تشهد أعدادًا كبيرة من الحالات التي تساعد الأطباء على تطوير مهاراتهم.
وترى الطالبة “ريهام.ع.ن”، طالبة في السنة الخامسة بكلية طب جامعة القاهرة، أن هذا القرار يشكل عائقًا أمام الفئات الفقيرة التي لا تستطيع تحمل تكاليف العلاج في القطاع الخاص، معتبرة أن الخصخصة تهدف لتحقيق مكاسب مادية على حساب المواطن البسيط.
ورأت “آية.م.ح”، خريجة كلية الطب عام 2020، أن الخصخصة تحمل إيجابيات وسلبيات، حيث يمكن أن تؤدي إلى تحسين جودة الخدمات الصحية إذا تم فرض رقابة صارمة على المستشفيات الخاصة، لكنها حذّرت في الوقت نفسه من أن المرضى قد يواجهون عقبات كبيرة في الحالات الطارئة، حيث قد تُرفض بعض الحالات إلا بعد دفع المصاريف اللازمة.
مخاوف من هجرة الأطباء
يخشى بعض الأطباء من أن يؤدي هذا القرار إلى زيادة هجرة الأطباء إلى الخارج، حيث تعتمد العديد من الدول على جذب الكفاءات الطبية من الدول التي تعاني من ضعف الإمكانيات.
ويرى بعض المختصين أن مصر قد تواجه عجزًا كبيرًا في الأطباء إذا لم يتم اتخاذ خطوات جادة للحفاظ على الكوادر الطبية داخل البلاد.
لا تزال قضية خصخصة المستشفيات الحكومية مثار جدل بين الحكومة، والأطباء، والمرضى، وبينما يؤكد مؤيدو القرار أنه سيؤدي إلى تحسين جودة الخدمات الصحية وتخفيف العبء عن الحكومة، يُحذر المعارضون من تداعياته على الفئات الفقيرة، وتفاقم أزمة نقص الأطباء في مصر، ومع استمرار التنفيذ، تبقى الرقابة والضوابط العنصر الأهم لضمان تحقيق توازن بين مصالح المستثمرين وحقوق المواطنين في الحصول على رعاية صحية عادلة ومتكافئة.