وُلد الفنان الكبير محمود المليجي، في 22 ديسمبر 1910، والذي يعتبر أحد أبرز نجوم السينما المصرية والعربية.
تُعتبر ذكرى ميلاد محمود المليجي، مناسبة هامة للاحتفاء بمسيرته الفنية الممتدة التي بلغت أكثر من خمسين عامًا، حيث ترك بصمة واضحة في تاريخ السينما، المسرح، والتلفزيون في مصر والعالم العربي.
ورغم أن العديد من الأجيال الجديدة قد لا يعرفون تفاصيل دقيقة عن حياته، إلا أن أفلامه وأدواره الجذابة تظل حاضرة في الذاكرة الثقافية المصرية. ولكن ما هي الأسباب التي جعلت هذا الفنان يكتسب شهرة واسعة؟ وكيف كانت أبرز محطات حياته الفنية والشخصية؟
كيف بدأ محمود المليجي مشواره الفني؟
ولد محمود المليجي في حي المغربلين بالقاهرة، وترعرع في أسرة متوسطة الحال، حيث كانت العائلة تعيش في حي الحلمية بعد فترة من انتقالها من حي المغربلين. نشأ المليجي محاطًا بأجواء فنية مبكرة، فقد أظهر شغفًا بالفن منذ سنواته الأولى، حيث بدأ في الانخراط في الأنشطة الفنية المدرسية وشارك في فرق التمثيل المدرسية.
في تلك الفترة، اهتم بتدريباته على يد كبار الفنانين مثل جورج أبيض وفتوح نشاطي، مما شكل نقطة انطلاق له في عالم الفن. وبدأت مسيرته الحقيقية في عام 1933، حينما انضم إلى فرقة فاطمة رشدي، حيث قدم أول أدواره في المسرحيات. ورغم أن أول ظهور سينمائي له كان في فيلم “الزواج” الذي لم يحقق النجاح المطلوب، إلا أن المليجي لم ييأس بل استمر في تحسين مهاراته الفنية.
ما هي أبرز محطات المليجي في السينما والمسرح؟
أثناء سنواته الأولى في مجال التمثيل، لم يكن المليجي يحظى بشعبية كبيرة، ولكنه بدأ يلفت الأنظار تدريجيًا بعد انضمامه إلى فرقة رمسيس بقيادة يوسف وهبي.
عمل المليجي في البداية كملقن للممثلين، ولكنه سرعان ما أثبت نفسه كممثل موهوب بعد أن بدأ يظهر في العديد من العروض المسرحية. كان المليجي مشاركًا في العديد من الأفلام الهامة منذ أوائل الأربعينيات، مثل فيلم “وداد” مع أم كلثوم في عام 1936. ورغم أن هذه الأفلام لم تكن كلها محط أنظار الجمهور، إلا أن المليجي استمر في تطوير نفسه فنيًا مما جعل له قاعدة جماهيرية صلبة.
في السنوات التالية، بدأ المليجي يظهر في شخصيات ذات طابع شرير في العديد من الأفلام المصرية. قد يبدو أن هذه الأدوار كانت تقتصر على تقديم الشخصيات القاسية والمستبدة، ولكنه كان قادرًا على إضافة عمق إنساني لهذه الشخصيات مما جعلها تظل في ذاكرة الجمهور.
على الرغم من ذلك، لم يقتصر إبداعه على تقديم شخصيات الشر، بل قدم العديد من الأدوار الإنسانية والتراجيدية التي أثبتت تنوع موهبته.
من أبرز المحطات في مسيرته السينمائية كان فيلم “الأرض” عام 1970، الذي أخرجه يوسف شاهين. في هذا الفيلم، قدم المليجي دور “محمد أبو سويلم”، وهو الدور الذي أضاف له لمسة فنية جديدة، حيث تميز هذا الدور بالعمق والبُعد الإنساني.
كيف تميزت أدوار محمود المليجي في السينما؟
صحيح أن معظم أدوار محمود المليجي كانت تدور حول تقديم الشخصيات الشريرة، إلا أن المليجي كان يمتلك قدرة غير عادية على تقديم تنوع في هذه الشخصيات. كان قادرًا على إضفاء بعد إنساني على هذه الشخصيات المعقدة.
شخصية “الشرير” التي قدمها المليجي لم تكن مجرد شخصيات سطحية، بل كانت تمثل قوى معقدة مليئة بالصراع الداخلي والصراعات النفسية. من خلال هذه الأدوار، أظهر المليجي قدرة هائلة على التقمص الفني، حيث كان يتعامل مع الشخصيات التي يقدّمها بصدق وحرفية. هذا التقمص جعل العديد من مشاهديه يعتقدون أن المليجي كان في الواقع شريرًا، رغم أنه في حياته اليومية كان بعيدًا تمامًا عن هذه الصورة.
قد تكون الشخصيات التي قدمها مثل “أبو سويلم” في “الأرض”، و”فؤاد” في “جفت الدموع” هي أبرز الأمثلة على هذه الشخصيات التي تتسم بالشر والمكر، ولكن المليجي كان قادرًا على إضافة عمق إنساني لهذه الشخصيات. هذا الأمر جعل المشاهدين يتعاطفون مع أدوار المليجي الشريرة، مما جعل هذه الشخصيات أكثر تأثيرًا.
كيف أثر محمود المليجي على المسرح المصري؟
لم يكن المليجي مجرد ممثل سينمائي بارع، بل كان له دور مهم في المسرح المصري. عمل مع العديد من الفرق المسرحية الشهيرة مثل “فرقة إسماعيل ياسين” و”فرقة تحية كاريوكا”. وقدّم العديد من المسرحيات التي تعد من أبرز الأعمال الفنية في تاريخ المسرح المصري. من بين هذه المسرحيات كانت “يوليوس قيصر” و”حدث ذات يوم” و”الولادة”.
هذه الأعمال كانت تمثل إضافة نوعية للمسرح المصري، حيث استطاع المليجي أن يقدّم شخصيات معقدة ومتنوعة على خشبة المسرح، وهو ما جعل الجمهور يثني على أدائه وتقمصه لهذه الشخصيات.
كيف كانت شخصية محمود المليجي في الحياة الشخصية؟
رغم تميّزه في تجسيد شخصيات الشر على الشاشة، كان المليجي شخصًا متواضعًا في حياته اليومية. في أحد الحوارات التلفزيونية القديمة، كشف المليجي عن جوانب إنسانية كانت بعيدة عن الصورة التي ارتبطت به في السينما.
قال المليجي في تلك المقابلة: “نقطتي الضعف هي التواضع زيادة عن اللزوم، وأعتبرها قوة وليست ضعفًا”. هذه الكلمات تدل على شخصيته الحقيقية التي كانت بعيدة عن التفاخر أو الغرور، وكان يفضل أن يعمل بجد ويثق في قدراته دون الحاجة إلى التفاخر.
أما عن حياته العاطفية، فقد ارتبط المليجي في بداياته بالفنانة علوية جميل، التي كانت جزءًا من حياته الشخصية والفنية. تزوجا في عام 1931، بعد قصة حب قوية، رغم أنهما انفصلا في وقت لاحق، ولكن التحديات التي واجهاها في حياتهما الشخصية، مثل وفاة والدته، جعلتهما يقيمان علاقة طيبة وحميمة، حيث كانت علوية دائمًا إلى جانب زوجها في الأوقات الصعبة.
ما هو تأثير ذكرى ميلاد محـمود المليجي على الأجيال الجديدة؟
محـمود المليجي، الذي رحل عن عالمنا في يونيو 1983، لا يزال يمثل مصدر إلهام للعديد من الفنانين الجدد، ورغم مرور عقود على وفاته، فإن أعماله ما زالت تُعرض على شاشات التلفزيون وتحقق نجاحًا كبيرًا.
يعتبره العديد من الفنانين الشباب مثالًا للفنان الملتزم والمتفاني في عمله. كما أن أدواره في السينما والمسرح تظل حاضرة في أذهان الأجيال الجديدة، حيث يُستمد منها الإلهام في تجسيد الشخصيات المعقدة والمختلفة.
اقرأ أيضًا:وفاة زوجة عبد الله رشدي.. تقرير الطب الشرعي يكشف التفاصيل والأسباب الحقيقية؟»
ما يجعل “ذكرى ميلاد محـمود المليجي” أكثر أهمية هو أن هذا الفنان استطاع أن يقدم نموذجًا فنيًا متكاملًا في مجالات عدة، في السينما والمسرح، كما قدم دروسًا في الإخلاص والصدق في العمل الفني. وبالتالي، يبقى المليجي جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الفن المصري، وسيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الجمهور لعقود قادمة.