أثارت المفاوضات المباشرة التي جرت مؤخرًا بين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحركة حماس، والتي أفضت إلى إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي ألكسندر عيدان، ردود فعل متباينة وقلقًا متزايدًا في إسرائيل.
يرى العديد من المحللين أن هذه الخطوة تمثل تطورًا “خطيرًا” ينذر بتغيير في الديناميكيات الإقليمية، وقد تؤدي إلى فرض تسويات لا تخدم المصالح الإسرائيلية، خاصة في ظل تصلب مواقف اليمين المتشدد في تل أبيب.
تحرك أمريكي منفرد لتحقيق إنفراجة
المراسلة السياسية البارزة تال شنايدر أشارت إلى أن إدارة ترامب ربما شعرت بإحباط من عدم إحراز تقدم في ملف الرهائن عبر القنوات التقليدية، ومنحت إسرائيل “فرصة زمنية محدودة” لتحقيق اختراق.
وأضافت شنايدر: “وعندما لم تتحقق النتائج المرجوة، يبدو أن واشنطن قررت التحرك بشكل منفرد لمعالجة قضية الرهينة الأمريكي”.
وتذهب شنايدر إلى أبعد من ذلك، مشيرة إلى تهميش إسرائيل المتزايد في عملية صنع القرار المتعلق بملفات إقليمية حيوية.
فبالإضافة إلى المفاوضات مع حماس، يبدو أن واشنطن تتخذ خطوات منفردة في ملفات أخرى مثل التفاهمات مع الحوثيين والمحادثات مع إيران وإطلاق سراح مواطنين أمريكيين محتجزين في مناطق نزاع.
وتعتبر شنايدر هذه التحركات مؤشرًا على تصاعد التوتر في العلاقة الشخصية بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مؤكدة أن “ترامب لا يعادي إسرائيل، لكن علاقته بنتنياهو متوترة”.
“براجماتية” قد تتجاوز التنسيق الكامل مع تل أبيب
واعتبرت شنايدر أن ما نشهده هو “عمل أمريكي دون تنسيق، وربما في بعض الأحيان ضد رغبات الحكومة الإسرائيلية”.
الباحث في جامعة تل أبيب، إريك رودنيتسكي، يصف العلاقات الإسرائيلية الأمريكية الحالية بأنها “زواج غير مريح”، حيث يسعى ترامب إلى حلول “براجماتية” قد تتجاوز التنسيق الكامل مع تل أبيب.
ويحذر رودنيتسكي من أن هذه التحركات الأمريكية المنفردة تزيد من القلق الداخلي في إسرائيل بشأن قدرة الحكومة على حماية مواطنيها وضمان أمنهم في ظل مفاوضات حساسة تجري بعيدًا عن أعينهم.
وعلى الجانب الفلسطيني، يرى محللون أن فتح قناة اتصال مباشر بين حماس والولايات المتحدة يمثل تطورًا استراتيجيًا قد يغير قواعد اللعبة.
ويعتقد مصطفى إبراهيم، المحلل السياسي المقيم في غزة، أن الإدارة الأمريكية اضطرت إلى سلوك هذا الطريق بسبب تعثر المفاوضات عبر الوسطاء التقليديين والإصرار الإسرائيلي على خيار القوة لاستعادة الرهائن.
ومع ذلك، يشكك إبراهيم في إمكانية تحقيق نتائج كبيرة من هذا التواصل إذا استمرت الولايات المتحدة في تبني المواقف الإسرائيلية التي ترفض أي دور سياسي لحماس في مستقبل غزة وتصر على نزع سلاحها.
ويرى أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن تسعى واشنطن إلى تحويل حماس إلى حركة سياسية غير مسلحة كجزء من أي ترتيبات حكم مستقبلية للقطاع.
من جانبه، يوضح المحلل السياسي إسماعيل مسلماني أن حماس تهدف من خلال هذه المفاوضات المباشرة إلى إظهار استعدادها للانخراط في حوار سياسي مع القوى الدولية المؤثرة، كجزء من استراتيجية أوسع لتحقيق مكاسب سياسية وإنسانية لشعبها.
ويبدو أن الخطوة الأمريكية بفتح قناة اتصال مباشر مع حماس، حتى وإن كانت محدودة بهدف إطلاق سراح رهينة أمريكي، قد فتحت الباب أمام مرحلة جديدة من التفاعلات الإقليمية، تحمل في طياتها فرصًا وتحديات كبيرة لكافة الأطراف المعنية بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ويبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه الخطوة ستؤدي إلى تغييرات جوهرية في السياسات الأمريكية والإسرائيلية تجاه حماس ومستقبل قطاع غزة.