من تعثر إلى تعثر ومن سقوط إلى أخر، لا تزال ليبيا تعيش في فوضى وأطماع داخلية وخارجية وارتفاع صوت السلاح والميليشيات منذ سقوط نظام معمر القذافي، وما بين الصراعات السياسية والاقتصادية وفشل المؤسسات الليبية في إجراء الاانتخابات أو حتى الاتفاق على ألياتها أو ظروفها أو موعدًا محددًا لها، يظل الانقسام سيد الموقف، في ظل وجود حكومتين في الشرق والغرب، الأولى يقودها أسامة حماد شرقًا في بني غازي ويدعمها البرلمان الليبي -وإن كانا هم من يحملون شرعية أخر انتخابات-، والثانية هي حكومة الوحدة الوطنية غربًا في طرابلس -وهي حكومة غير شرعية ومنتية ولايتها منذ فبراير 2022-، وداخل هذه الأوضاع يعاني المدنيون أمام ضياع ثرواتهم جراء وعدم وجود سلطة موحدة، واقتصاد ينزف أمام حقول النفط المنهوبة التي يحاصرها ويوقفها عن العمل كل من له مطالب.
ليبيا والانتخابات
ويتعاظم الخلاف في ليبيا ويخرج الليبين من أزمة إلى أخرى لعدة أسباب، أبرزها الفوضى وغياب الأمن والخلاف بين السياسين، وسيطرة الميليشيات والقبائل على عدة مناطق بجانب تهديد قطاع النفط بالتوقف على إثر النزاعات، الأطماع الداخلية والخارجية في الثروات الليبية، تأخر البرلمان الليبي ومجلس الدولة في الوصول إلى اتفاق حول خطوات الانتخابات المقبلة وملامحها وشروط الترشح المختصة بمزدوجي الجنسية والعسكريين -إذ يجيز مجلس النواب ترشحهم فيما يمنعهم مجلس الدولة من الترشح- وتتعارض رؤى كلاهما حول طريقة وشروط إقامة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
وعدم وجود آليات واضحة للانتخابات، وخريطة محددة بمراحل زمنية معروفة، وضمان التزام المجموعات المسلحة والمليشيات في المنطقة الغربية بما سينتهي إليه الاتفاق النهائي، والخلاف بين الأطراف الليبية على شروط المشاركة في طاولة الحوار، حيث يشترط كلًا من رئيس البرلمان عقيلة صالح وخليفة حفتر ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة والمجلس الأعلى للدولة عدة شروط تتناقض مع بعضها البعض، مما يُعقد إجراء الانتخابات والوصول إلى حكومة موحدة.
أزمة المصرف المركزي في ليبيا
كان الصديق الكبير، هو محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورغم الانتقادات التي كانت توجه إليه في كيفية إدارته لأموال المصرف المركزي، إلَّا أن الجهة التي لديها سلطة تغييره، هو فقط البرلمان الليبي الذي يملك شرعية وجود بالانتخابات، كما تغيير محافظ البنك المركزي أحد صلاحياته، وبعدما أقدم عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها في طرابلس ومعه محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي على تغيير الصديق كبير بمحافظ أخر للبنك المركزي، أصر البرلمان على عودة المحافظ الشرعي المُعين من قبل البرلمان إلى منصبه.
واتخذت حكومة أسامة حماد في الشرق والجيش الليبي نفس الموقف، وأمام رفض الدبيبة والمنفي، أوقف البرلمان جميع حقول النفط عن الإنتاج، وتطورت الأزمة حتى هرب الصديق كبير خارج البلاد خوفًا على حياته من ميليشيات طرابلس المؤيدة للدبيبة، وبعد هروب المحافظ قرّر رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، إحالة الصديق الكبير المتواجد خارج البلاد إلى التقاعد، وذلك لبلوغه السنّ القانونية.
النفط الليبي
النفط هو أهم ما تملكه ليبيا، وهو أساس اقتصادها وثرواتها، وتوقفه حقول النفط عن الإنتاج يعود على الليبيين بخسائر هائلة، وأهم حقول النفط في ليبيا حقل شرارة النفطي وهو الأكبر في البلاد، وينتج أكثر من 300 ألف برميل من النفط يوميًا، ويقع حقل الشرارة في صحراء مرزق جنوب طرابلس، ويأتي بعده حقل الفيل الذي يقع في حوض مرزق، وحقل زلطن في خليج سرت، وتقع أغلب ثروة ليبيا النفطية داخل الهلال النفطي شمال شرقي البلاد، وتمتد المنطقة على طول مائتين وخمسين كيلومترا إلى الشرق، بين سرت وبنغازي، وتضم نحو 80 في المئة من احتياطي النفط في ليبيا، وتخضع لسيطرة قوات خليفة حفتر، وتتمركز فيها أهم موانئ البلاد النفطية مثل ميناء السدرة ورأس لانوف والبريقة والزويتينة، وفي المقابل تسيطر الميليشيات على حقل البوري البحري غربي طرابلس ومصفاة الزاوية المجاورة له.
ووفق وكالة الطاقة الأمريكية، فإن احتياطات النفط الصخري الليبي رفعت احتياطات البلاد من 48 مليار برميل إلى 74 مليار برميل مما يجعلها الأولى عربيا من حيث احتياطات النفط الصخري والخامسة عالميًا، ولدى ليبيا أكثر من 177 تريليون قدم مكعب من الغاز الصخري القابل للاستخراج من الصخور، وبذلك تحتل ليبيا المرتبة الثانية إفريقيا -8 تريليون متر مكعب-.
وفي نفس السياق، قال السفير أحمد القويسني، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الأوضاع في ليبيا معقدة وتحتاج إلى تعاون محلي داخلي، قبل البحث عن أي ضغوط أو جهود خارجية لحل الأزمة، مشيرًا إلى ضرورة التغلب على الأطماع الداخلية سواء للميليشيات أو القبائل والجماعات الجهوية وأصحاب المصالح.
وأوضح الدبلوماسي السابق لـ”الحرية”، أن أصحاب المصالح وبعض القبائل والميليشيات والمرتزقة هم المستفيدون من الوضع الحالي داخل ليبيا، ويرغبون في بقاء الأوضاع الحالية على ما هي عليه دون أدنى تغيير، مؤكدًا أن هذه الأوضاع تحقق لهم ثروات واستمرار تدفق الأموال.
ونوه إلى عمليات الإتجار بالبشر والتهريب وتجارة الأسلحة وفرض الإتاوات وغيرها من طرق جمع الأموال التي تزداد مع الفوضى، لافتًا إلى أن البعض في ليبيا ولائه للتنظيمات وللسلاح الذي يجمع المال، وليس ولائه إلى ليبيا، مشددًا على أن النجاح في القضاء على الميليشيات والمرتزقة وجمع السلاح المنتشر في كل أرجاء ليبيا، وتعضيد دور الجيش الوطني الليبي، وتهميش أصحاب المصلحة، هي أهم سبل حل الأزمة الحالية.