في ضوء التصريحات المنسوبة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تحدث فيها عن عبور السفن الأمريكية لقناة السويس مجانًا دون سداد الرسوم المستحقة، فإنا نؤكد رفضنا القاطع لهذه التصريحات، التي تخالف أحكام القانون الدولي، وتنتهك السيادة المصرية الكاملة على قناة السويس، وتشكل تطاولًا مرفوضًا على الحقوق السيادية والتاريخية الثابتة لمصر على هذا الممر المائي الحيوي.
فقناة السويس جزء لا يتجزأ من إقليم الدولة المصرية، تخضع لسيادتها الكاملة، وتُدار وفقًا للتشريعات المصرية والاتفاقيات الدولية المنظمة.
فقد نصت اتفاقية القسطنطينية الموقعة في 29 أكتوبر 1888 على أن قناة السويس “ستظل مفتوحة في زمن السلم والحرب، دون تمييز بين جميع السفن التجارية والحربية، دون اعتبار لجنسية العلم الذي ترفعه السفينة”، كما ألزمت الاتفاقية جميع الدول، بما فيها القوى الكبرى، باحترام إدارة القناة من قبل الدولة المالكة، وهي مصر، وبتسديد الرسوم المقررة للمرور، مع عدم وجود نص أو تفسير قانوني يمنح أي دولة حق المرور المجاني أو الإعفاء من تلك الرسوم.
وتاريخيًا: أكدت مصر تمسكها بسيادتها على قناة السويس في أكثر من مناسبة حاسمة، أبرزها في عام 1956، عندما قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس العالمية، معلنًا أن القناة أصبحت مرفقًا وطنيًا مصريًا يُدار لصالح الشعب المصري، وهو القرار الذي حظي باعتراف المجتمع الدولي، وتم تأكيده لاحقًا عبر اتفاقيات ومواقف سياسية ودبلوماسية، بما فيها أحكام محكمة العدل الدولية، التي كرست مبادئ احترام سيادة الدولة على ممراتها المائية الداخلية مقابل الالتزام بحرية الملاحة وعدم التمييز.
كما أن كافة الممارسات الدولية منذ تأميم القناة وحتى يومنا هذا التزمت بمبدأ دفع رسوم المرور وفقًا للائحة التي تضعها هيئة قناة السويس، دون وجود أي سابقة لإعفاء أي دولة، مهما كانت، من الالتزام بسداد هذه الرسوم. وقد مرت عبر قناة السويس، خلال عقود طويلة، سفن تجارية وعسكرية من مختلف دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، دون أن تدعي أي منها وجود حق مجاني في العبور، مما يكرس قاعدة قانونية ثابتة بعدم وجود أي امتياز أو إعفاء.
وإذ نشير إلى أن قناة السويس تخضع حاليًا لأحكام اتفاقية القسطنطينية والقوانين الوطنية المصرية، وعلى رأسها القانون رقم 30 لسنة 1975 بشأن نظام هيئة قناة السويس، والذي أكد أن الهيئة تملك وحدها حق إدارة وتشغيل وحماية المرفق، وأنها تحدد الرسوم وفقًا لما تقتضيه اعتبارات الاقتصاد الوطني وحركة الملاحة الدولية، فإن مصر تعتبر أن أية محاولة للتنصل من الالتزامات المالية المترتبة على عبور القناة تشكل خرقًا واضحًا لهذه القواعد، وانتهاكًا صريحًا للسيادة الوطنية.
تصريحات ترامب بشأن قناة السويس تتنافى مع أحكام القانون الدولي العام
كما أن قواعد العرف الدولي، بما فيها مبدأ المساواة في استخدام الممرات الدولية، ومبدأ عدم التمييز بين الدول، يفرضان على جميع الدول الالتزام بالأنظمة والرسوم التي تضعها الدولة المالكة للممر، ولا تجيزان لأية دولة ادعاء حق خاص أو امتياز أحادي الجانب.
إن تصريحات الرئيس الأمريكي تتنافى مع أحكام القانون الدولي العام، ومع المبادئ المستقرة بشأن السيادة على الممرات الدولية، وتمثل سابقة خطيرة تسيء إلى منظومة احترام القانون الدولي، وتفتح الباب أمام فوضى قانونية لا يمكن القبول بها في العلاقات الدولية.
ومن ثم فإن جمهورية مصر العربية إذ أكدت رفضها تلك التصريحات جملة وتفصيلاً، تؤكد أنها لن تسمح بأي مساس بحقوقها السيادية أو الاقتصادية المرتبطة بقناة السويس، وبما يعني أنها تحتفظ بحقها الكامل في اتخاذ ما تراه مناسبًا من إجراءات دبلوماسية أو قانونية لحماية مصالحها الوطنية. وأن حرية الملاحة عبر قناة السويس لجميع السفن التجارية والحربية، دون تمييز أو تفرقة، وفقًا لما هو منصوص عليه في الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية، وفي ذات الوقت احترام سيادة مصر الوطنية.
وهو ما يعني أن قراراتها المتعلقة بإدارة القناة ورسوم العبور هو التزام قانوني على عاتق جميع الدول دون استثناء.