أن تولد وفي فمك “ببرونة” ذهب، فهذا ليس إنجازًا يستحق منا الـ Wow، ولكن أن تولد وتنضج رجلاً تحترم ذاتك وأهلك، وتعتزُّ بأصلك، وتُفاخِرُ العالمَ بتاريخك، وتبهر به العقلاء، فأنت الإبهار ذاته.
هذه خلاصة القصة الطويلة التي وقعت في أربعة أيام، وصارت حديث العالم، الذي ما يزال فمه مفتوحًا بعلامة الـ “واو” من هذه البعثرة للأموال مقابل رقصة ومشاهدة مواكب جمال وسيارات وقصر طائر يراق تحت الأقدام كعهدهم في الكابريهات.
قد نُقحِمُ المنطقَ في الـ 2.6 ترليون دولار بأنه لجني مكاسب ما بطريقة ما، ولكن حتى هذه الـ “ما” أوصدوا دونها الأبواب؛ ليعلنوها صراحة “نحن غُرابا عَكّ”، وهو الشعار الذي تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي؛ خيبةَ أمل وحسرةً على أناس يلوكون شعارات لا تتجاوز حناجرَهم.
في هذا المشهد الأقرب إلى علامات الساعة تنبثق دفقةُ نور من بين الغمامة الجاثمة على صدور قرابة النصف مليار بني آدم تقلب الموازين؛ ليميز الخبيث من الطيب.
رجلٌ أثقلُ من قادة العالم.. أنفسُ من أموالهم وذهبهم.
قبل هذه الزيارة التهليبية استقبل ذاك الرجل ضيفًا، واصطحبه في جولات ليقطف منه الانبهار الحقيقي.. بماذا؟
بالأرض التي يسير عليها.. بالجدران التي يمرُّ بها.. بوجوه المصريين الذين احتشدوا، ثم أخبرَ الضيفَ باعتزاز أنه عاش وتربَّى هنا.. ضيافته كانت عزومة في مطعم يحكي تاريخًا.. لا مليارات ولا رقص ولا تغزُّل من النوع الرخيص؛ ليعود ماكرون وهو يعلن للعالم أنه كان في زيارة أعجزته عن وصفها.
هذا هو الفرق بين الحضارة والقبلية.
وبعد وصول ترامب بأمان الله بأكياس الدنانير الدولارية كان الدرسُ الثاني في مؤتمر القمة العربية ببغداد.. كلُّ كلمة درسٌ لمن أراد أن يتعلم شيئًا.. درس في القيادة.. درس في الريادة.. درس، ولكن للغرب بأن ينبهر باحترامه، لا أن يسخر من سفاهة رمي فلوس النقطة في محفل على أجساد شعب لا يجد حتى ورق الشجر ليأكله. وهنا يحق للرئيس السيسي أن يقولها للعالم أجمع: انتهى الدرس…