الموت هو الحقيقة الوحيدة فى حياتنا، و السنة النبوية الشريفة فسرت لنا كما جاء على لسان رسول الله صلى الله علية وسلم تلك المرحلة بشىء من التفصيل، فالميت بعد أن تخرج روحه وتنتهى مرحلتة الدنيوية تبدأ رحلة الأخرة ولذا يقول العلماء: من مات فقد قامت قيامته، وقال الله فى محكم كتابه: (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ويذهب الى القبر فإما ان يكون روضة من رياض الجنة، او حفرة من حفر النيران، كلا على حسب عمله، وسيأتية ملكان بعد ان يفرغ أهلة من دفنه الى اخر ما ذكر فى ذلك الموضوع تفصيلا.
أؤمن ان الموت حق على كل نفس فى الحياة، وانه نهاية الحياة الدنيا، وبداية الى حياة الاخرة التى نرجو فيها حسن الخاتمة ورحمه الله سبحانه وتعالى.
مع ان الموت لا يفرق بين كبير وصغير طفلا وشيخا رجل او امرأة الجميع له ساعتة وقت ان تأتى ينفذ حكم الله ولا راد لقضائه.
لكن هل يحق لى ان اتصور تلك الرحلة، من بداية قبض الروح، وملك الموت يحلق حولي ، و ادرك شدة تلك السكرات التى يعانى منها الجميع.
الان اصبحت جثة بلا حراك، اسمع صرخات وبكاء، الجميع اتى مهرولا يرتب لما هو قادم، لنستعد للغسل والدفن، لنعلن فى البلاد ولنخطر كل العباد، لنكتب نعى فى الصحف، ستمتلأ صفحات التواصل بعبارت التعزية.
لا تخطروا احد ، لم يعد يسمعنى احد .
لم تاتى زوجتى بعد من سفرها، هل اخطرتم اسرتى، لن اتحرك من مكانى بدون ان ينظروا فى وجهى، فلتسألوها عندما تاتى عن وصيتى.
ولتفرقوا بإبنتى الحبيبة، كنت اتمنى ان أرى عرسها، فرحتها، أرقص معها، تغنى لى واغنى لها، كنت أرتب أن ترتدى امها نفس فستانها، فلا تجعلوها تبكى.
انظر حولى لأرى أبى لا يتحرك من هول الصدمة، كل عبارات التعزية تقال له وهو صامت ساكن لا يقوى على البكاء، لا يرد بكلمة على احد، عينى فى عيناه لماذا لا يرانى.
فدعونى أبكى بدلا منه حتى اخفف عنه معاناته، اريد أن اقوم لأحتضنه.
اننى أراه بل أراكم جميعا، انظر الى الاهل والجيران والأصدقاء، أسمع المؤذن يصدح بإسمى ويقول توفى الى رحمه الله فلان الفلانى، انه انا كيف مت وأنا ارهم واسمعهم وامشى بينهم، من هذا الممد على هذا السرير، انه يشبهنى وكانه انا.
الوقت يمر عصيبا، والضجيج اصبح مرعبا، ولم تأتى بعد من تضع يديها للمرة الأخيرة على جبهتى، وتتساقط دموعها على وجهى، اليوم تحتضننى لا تعبأ بأن يراها احد، أنه الحضن الأخير والقبلة الأخيرة ، أهمس فى اذنها هلى تسمعنى اريد ان ادفن بعيدا حيث لا يرانى احد ولا يزورنى احد، قولى لهم اننى جهزت مدفنى، جلست بجوارة ساعات، اتركونى هناك فأنا أحب الوحدة، فاجعلونى مع زادى لرحلتى الطويلة، وسانتظرك هناك ، لا تدعيهم يدفنونى هنا، احب مكانى هناك فى الصحراء حيث السكون، اعطيهم مفتاح المقبرة، مالك لا تجيبى لا تتكلمى قولى لهم اخطريهم قبل ان يذهبوا بى.
جاء المغسل وينادى اخى يطالب الجميع بالخروج من الغرفة، ماذا سيفعلون بى، ما هذا الماء البارد الذى ينساب على جسدى، انهم يغسلونى ، يجففون جسدى لألبس ثيابى البيضاء، وضعوا حنوطى، قبلنى أخى الصغير، اسمع صوت ينادى عليه، وتقول له اننى مت، يبكى يسحبونه من الغرفة، ليضعونى فى تابوت، حملونى و خروجوا بى من المنزل الى المسجد.
أين أمى لا أراها ؟ أين أختى الحبيبة؟ سأبحث عنهم قبل ان اخرج من البيت، فهى لن تقوى على المسير، ولن تقوى على البكاء، دعواتها تحوطنى، ورضاها يملئنى فخرا وزهوا، سأذهب سعيد الى قبرى، اسمع همسها تترحم على اول فرحتها، اسمع دقات قلبها وهى تدعو لى .
سلاما الى ان نلتقى فى رحاب الله.
فى الطريق الى المسجد ذهبت مسرعا، أريد الصلاة، أريد صديقى الحميم، فقد جاء وجلس بجوارى، يحمل كتاب الله ويقرأ القران، كان مرآتى اليوم أصبح وحيدا، لن يسمعنى ، وجاء الوقت لأن أؤنس معه فى وحدتى.
قطع تفكيرى صوت الشيخ يتكلم عن القبر وعذاب القبر وضمة القبر وملكان يجلسانى ، نعم اعرف كل تلك الأمور، مستعد للإجابه، فزادى كبير ورحمة ربى أكبر، ودعوات امى تحوطنى، ورضا ابى لطفا من الله، والله بصيرا بالعباد.
لن انصت لكلام الشيخ، دعوه يتوقف، لماذا يذكر النار، والعذاب ، فليذكر الجنة وحور العين، فلتقيموا الصلاة، وليتقدم اخى الصفوف، وليطيل فى الدعاء، وليحملونى الى بيتى الجديد .
فى الطريق الى القبر مازالت الدنيا تشغل السائرون، لم يدركوا ان الكل راحل، لم يتعظ احد، من يجرى بجوارى، من وقف على باب قبرى، من انتظر الى أن أغلقت الأبواب، وتركونى فى عتمة القبر، فلترحلواـ، فأنا مستعد لرحلتى، واطمع فى رحمة ربى، فستصعد روحى الى السماء ، ابتسم لماذا تأخرت على تلك اللحظة الجميلة، وهذا السكون والطمأنينة.
سترفرف روحى على من احب، وسيأتى الى من احب ، وأؤنس بمن احببت، انه عالم الخلود.
فكل من عليها فان ولا يبقى الا وجة ربك ذو الجلالو والإكرام.