“إذا لم تطردوا اليهود من هذه البلاد، فإنهم في خلال مائة عام سيُسيطرون على ثرواتكم ومؤسساتكم، وسيُبدّدون قيمكم وأخلاقكم”… هكذا قال بنجامين فرانكلين في واحدة من أكثر الجمل نبؤة في التاريخ الحديث، ولم تكن نبوءة طارئة، بل رؤية رجل كان يشهد بأم عينه بدايات تشكل أخطر منظومة سرية عرفتها البشرية، منظومة لم تتسلح بالدبابات، بل بالعقول، ولم تفتح المدن بالمدافع، بل بالأوراق النقدية، والأفكار المسمومة، والإعلام المُخدّر.
اليوم، وبعد مرور أكثر من قرنين على هذا التحذير، هل يستطيع أحد إنكار تحقق هذا السيناريو بالكامل؟. انظر إلى العالم من علٍ، تأمل الخريطة… من يملك الإعلام؟ من يسيطر على الاقتصاد العالمي؟ من يضع القوانين؟ من يقرّر مصير الشعوب؟
نعم، اليهود الصهاينة، بأذرعهم العالمية، يحكمون العالم.
السيطرة الناعمة… ولكن القاسية
لم يكن عددهم يومًا معيارًا لقوتهم. خمسة عشر مليونًا فقط، ولكنهم يتغلغلون في أعماق القرار الدولي، يتصدرون أكبر البنوك، يديرون أخطر غرف المال، يتحكمون في منصات الإعلام، يوجهون الرأي العام، ويُسقطون أو يرفعون رؤساء العالم بكلمة واحدة من تل أبيب أو نيويورك أو لندن.
هل هذا وهم؟
إذن، فليشرح لنا العالم لماذا تُرتكب المجازر في فلسطين منذ أكثر من سبعين عامًا، على مرأى ومسمع العالم، دون أن تتحرك محكمة، أو يصدر قرار دولي واحد يُدين الاحتلال الصهيوني بصراحة؟ فليفسر لنا القانون الدولي كيف تتحول المقاومة في فلسطين إلى “إرهاب”، بينما يتحول الاحتلال إلى دولة ذات سيادة؟ فليشرح لنا الغرب الحرّ كيف تُقصف المدارس والمستشفيات والمساجد أمام الكاميرات، دون أن يتحرك سوى للتبرير أو النفاق السياسي؟
المقارنة الصادمة… روسيا وفلسطين
انظر إلى ما يحدث مع روسيا، القوة النووية العظمى، كيف تم فرض حصار اقتصادي شامل عليها، طُردت من المؤسسات الدولية، فُرضت عليها محاكمات، قُطعت عنها العلاقات، فُرضت على شعبها العقوبات، كل ذلك لأنها دخلت أوكرانيا التي كانت مهددة بأطماع الناتو.
وفي المقابل، منذ عام 1948، و”إسرائيل” تحتل، تقتل، تطرد، تدمر، وتبني المستوطنات، وتُمارس نظام فصل عنصري (أبارتايد) باعتراف منظمات غربية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، ولا أحد يفرض عليها شيئًا، بل تُعطى السلاح، والمليارات، والدعم في مجلس الأمن.
تاريخ من الطرد والخيانة
لم تكن معاناة العالم من الصهاينة حديثة العهد، فقد شهدت أوروبا على مدار أكثر من ألف عام طرد اليهود من معظم دولها بسبب الغدر، والتآمر، والاحتيال المالي، وبيع الأسرار، وزرع الفتن، واستخدام الدين كغطاء للفساد. طُردوا من إنجلترا عام 1290، ومن فرنسا عام 1306، ومن إسبانيا عام 1492، ومن ألمانيا مرارًا، بل وفي بعض العصور، أُقيمت محاكم تفتيش خاصة بهم، وأُعدم الآلاف بسبب جرائمهم الأخلاقية والاقتصادية والسياسية. ليس لأن الشعوب تكرههم لذاتهم، بل لأن التاريخ علّم تلك الشعوب أن “اليهودي لا يُعاشر، لأنه يُخون”.
تحالف ضد الإسلام… منذ سقوط الأندلس حتى وعد بلفور
ولم يكن الأمر مقتصرًا على خيانة الداخل، بل كان تحالفًا دوليًا غير مكتوب بين القوى الصهيونية وبعض الأنظمة المسيحية الغربية ضد الإسلام. منذ سقوط الأندلس، شارك اليهود في الوشاية بالمسلمين، وتقديم المساعدة للقوى الكاثوليكية. وفي العصور الحديثة، لعب اليهود دورًا محوريًا في إسقاط الخلافة العثمانية، وموّلوا الحركات الانفصالية، وساهموا في رسم خرائط “سايكس-بيكو”، وتمهيد الطريق لوعد بلفور عام 1917. بريطانيا، العجوز الاستعمارية، لم تُعطِ فلسطين لليهود حبًا فيهم، بل نكاية في الإسلام، وكراهية في الدولة العثمانية، وتحقيقًا لمشروع التفتيت.
الحاكم الخفي… الوكيل الظاهر
إن اليهود الصهاينة لا يحكمون العرب فقط، بل يُديرون أوروبا نفسها من خلف الستار.
أمريكا — أكبر قوة عسكرية — ليست أكثر من حارس شخصي للمشروع الصهيوني، دولة تُدار بقرارات تصدر من اللوبيات الصهيونية.
والدليل واضح:
دعم عسكري سنوي لإسرائيل بقيمة 3.8 مليار دولار. حماية مطلقة في مجلس الأمن بـ”الفيتو” ضد أي قرار يدين الاحتلال. قوانين أمريكية تُجرّم حتى مقاطعة إسرائيل!
إلى متى؟ وهل للنهاية من طريق؟
إن نهاية هذا التغوّل اليهودي مرهونة بسقوط الغطاء الدولي الذي يحميهم، وبزوال “المظلة الأمريكية”، وبتفكك النظام العالمي القديم.
يوم تهتز واشنطن، ويوم تسقط العولمة الأمريكية، سيكتشف العالم أن الصهيونية كانت تعيش على أنفاس غيرها.
حينها فقط ستنهار إمبراطوريتهم الإعلامية، سيتحول مالهم إلى ورق، وسينتقم التاريخ.
في زمان يُستباح فيه الدم الفلسطيني، وتُغتال فيه الحقيقة، ويُجمل فيه القاتل، ويُدان فيه المقتول، ليس أمام الشعوب إلا أن تعرف الحقيقة:
نحن لا نحارب كيانًا سياسيًا فقط، بل نحارب منظومة عالمية تحكمنا دون أن نشعر.
من لا يعرف من عدوه، فلن يعرف كيف يُقاوم.