كثيرًا ما يُقدَّم الحديث عن روسيا كقوة كبرى يمكن الركون إليها كـ”حليف استراتيجي” في مواجهة الغرب أو الهيمنة الأمريكية. لكن نظرة متأنية في سجلّ روسيا السياسي والعسكري، تكشف أنها ليست أكثر من “حليف مؤقت” في أحسن الأحوال، و”عدو مستتر” في أغلب الأحيان، خصوصًا في علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية.
الكراهية المتجذرة ضد المسلمين – إرث القيصرية والسوفييت
منذ الإمبراطورية الروسية القيصرية، اتبعت موسكو سياسات استعمارية توسعية ضد شعوب العالم الإسلامي، خصوصًا في القوقاز وآسيا الوسطى. هذه السياسات تضمنت تهجيرًا قسريًا واسعًا للمسلمين، وقمعًا دينيًا وثقافيًا، ومحاولات تغريب وتذويب للهوية الإسلامية.
في عهد الاتحاد السوفيتي، تحولت هذه الكراهية إلى قمع منهجي: إغلاق المساجد، اعتقال العلماء، تجفيف منابع التعليم الشرعي، وممارسات تطهير عرقي منظم، خاصة في عهد ستالين، الذي هجّر شعوبًا بأكملها مثل الشيشان والتتار إلى سيبيريا.
تحالفات مصلحية وخذلان ممنهج
رغم شعارات العداء للإمبريالية والصهيونية، لم تكن روسيا يومًا حليفًا حقيقيًا لأي دولة مسلمة. تحالفاتها تكتيكية، قصيرة الأمد، تُدار وفق منطق الأمن القومي الروسي لا المصلحة المشتركة.
خذلان مصر: رغم العلاقة الوثيقة مع الاتحاد السوفيتي في الخمسينيات والستينيات، لم تحظَ مصر بدعم حقيقي يُغيّر موازين القوى. الأسلحة التي زوّدتها بها موسكو كانت دفاعية، ورفضت تزويدها بنظم هجومية فعالة. في نكسة 1967، لم تحرك روسيا ساكنًا رغم معرفتها المسبقة بالعدوان الإسرائيلي.
الخضوع أمام إسرائيل: من الستينيات حتى اليوم، مارست روسيا تعاونًا صامتًا مع إسرائيل. سمحت بهجرة أكثر من مليون يهودي روسي إلى فلسطين المحتلة، كثير منهم من النخب الأمنية والعسكرية. اليوم، تعتبر روسيا ثاني أكبر داعم لتكنولوجيا الجيش الإسرائيلي بعد الولايات المتحدة، وبوتين وصف إسرائيل علنًا بأنها “دولة صديقة”.
الموقف من سوريا: تدخلت روسيا عسكريًا لدعم النظام لا لإنقاذ سوريا كدولة. استخدمت أراضيها لتجربة أسلحتها، وتغاضت عن الغارات الإسرائيلية المتكررة، بل نسّقت معها عبر “خط ساخن”. لم تطلق رصاصة واحدة لحماية الجولان، رغم وجود قواعدها في حميميم وطرطوس.
والأدهى أن سوريا متحالفة مع موسكو منذ أيام الاتحاد السوفيتي، ومع ذلك خسرت الجولان في ظل هذا التحالف، وظلت روسيا تلتزم الصمت بعد ضم إسرائيل للجولان رسميًا، رغم تمركز قواعدها في عمق الأراضي السورية، ولم تحرك ساكنًا أو تصدر حتى بيان إدانة. ماذا لو حدث العكس؟ ماذا لو اعتدت سوريا على إسرائيل بينما توجد قواعد أمريكية داخل إسرائيل؟ هل كانت واشنطن ستصمت كما تفعل موسكو؟ إن الموقف الروسي يكشف أن التحالف مع سوريا لم يكن يومًا تحالفًا دفاعيًا حقيقيًا، بل مجرد غطاء لتوسيع النفوذ. والأسوأ أنه حتى بعد انهيار الجيش السوري إثر الحرب الأهلية وسقوط منظومة الدفاع السورية، قامت إسرائيل بتدمير كل مقومات الجيش المتبقية من مقرات وصواريخ ورادارات تحت أعين القواعد الروسية، ولم توجه روسيا – هذا الحليف المزعوم – حتى إنذارًا لفظيًا لإسرائيل، بينما لم تكن أمريكا لتسكت لحظة لو استهدفت إيران أو روسيا أحد حلفائها في أوروبا أو آسيا.
الشيشان… نموذج الإبادة الحديثة
حرب الشيشان الثانية (1999–2009) كانت مثالًا على السلوك الروسي تجاه المسلمين: إبادة ممنهجة قُتل فيها أكثر من 160,000 مسلم، معظمهم من المدنيين، وتدمير شامل لغروزني، واغتيال القادة، وتنصيب عملاء موالين لموسكو مثل رمضان قديروف، الذي حوّل الإسلام إلى أداة أمنية تخدم الكرملين.
روسيا وإسرائيل.. تحالف غير معلن
بينما تحظر روسيا الحجاب وتضيق على المساجد، كانت من أكبر روافد الهجرة اليهودية إلى إسرائيل في الثمانينيات والتسعينيات. دعمت المشروع الصهيوني ديموغرافيًا، ونسّقت معه أمنيًا، حتى في ظل الخطاب المعادي للغرب. وهذا يكشف أن روسيا ليست خصمًا لإسرائيل، بل شريكًا ضمنيًّا في تثبيت تفوقها الإقليمي.
الغرب… رغم العداء أوفى لحلفائه
في المقابل، يُظهر الغرب – خصوصًا الولايات المتحدة – نموذجًا مختلفًا في التعامل مع حلفائه، حتى لو كانت أهدافه استعمارية. واشنطن تدعم إسرائيل بكل الوسائل: ماليًا، عسكريًا، دبلوماسيًا، وتخوض حروبًا كاملة لضمان تفوقها.
نفس الشيء مع تايوان وأوكرانيا. فبينما لم تكن أوكرانيا حليفًا تقليديًا، إلا أن الغرب أغرقها بالمساعدات بعد اندلاع الحرب مع روسيا. وهذا يُظهر أن أمريكا – رغم عدائها للعرب والمسلمين – على الأقل لا تخون من يتحالف معها بصدق.