لم يعد خافيًا أن إبراهيم عيسى قد تفرغ بشكل سافر للطعن في القرآن الكريم والسنة النبوية، بل إن القنوات والمحطات الإذاعية التي تُفتح له خصيصًا لا تحمل سوى رسالة واحدة: التشكيك في العقيدة، والنَيل من ثوابت الدين.
ولم يعد الأمر مجرد “رأي مختلف”، بل صار مشروعًا إعلاميًا متكاملًا، يُمنح فيه هذا الرجل مساحات لا تُمنح لغيره، خصوصًا أولئك الذين يدافعون عن الله ورسوله، والذين تُمنع أصواتهم أو تُقمع بدعاوى متعددة.
السؤال الأهم الذي يُلحّ في وجه هذه الفوضى الفكرية هو من يقف خلف إبراهيم عيسى؟
كيف تُفرَش له الساحات الإعلامية رغم الرفض الجامح لما يكتبه من كبار علماء الأزهر، وكتّاب ومفكرين وازنين، بل وعوام المسلمين الذين يعلمون أن ما يقال لا يمكن أن يكون من التجديد، بل هو عدوان على الثوابت.
إن ما يتعرض له المسلمون اليوم من هجوم على عقيدتهم ليس مجرد سفسطة فكرية أو ملاحظات اجتهادية، بل ضرب مباشر لثوابت الإسلام التي لا تقبل البحث أو التطوير، لأن الحديث هنا ليس عن فرعيات أو اجتهادات، بل عن القرآن المنزل بوحى رباني، والسنة النبوية المطهرة، الصالحة لكل زمان ومكان، لكل من تدبر عظمة الخالق وآمن به وبرسوله.
وفي ظل هذا الهجوم، تُمنح الأبواق لمن يطعن ويشكك ويهدم، بينما يُحاصر من يُدافع ويُبصّر ويرشد. وتُغلق الأبواب في وجه الدعوة الصادقة، وتُفتح على مصراعيها لإبراهيم عيسى وأمثاله.
بل إن المشهد الإعلامي يعج اليوم بأسماء مثل سعد الدين الهلالي، الذي لا يقل خطرًا عن إبراهيم عيسى، إذ يقدم نفسه كفقيه ومجدد، بينما كثير من تصريحاته تمثل ضربًا في أصول الشريعة. ولعلنا نذكر أن قضايا رُفعت ضده بالفعل لمنعه من الإفتاء أو الحديث في الدين، بعد أن فاض الكيل من طرحه المتجاوز لكل ضوابط العلم والدين.
فمن يُحاسب هؤلاء؟ ومن يمنعهم من هذا العبث؟
هل من المقبول أن يتفرغ البعض لتدمير العقيدة من الداخل، تحت شعار التنوير، بينما الثوابت تتهاوى، والقيم والأخلاق تنهار، بسبب كثرة ما يُسمع من مثل هؤلاء؟
ولعل أقوى من ردّ على إبراهيم عيسى مؤخرًا هو الشيخ مظهر شاهين، في مقال صارخ بعنوان:
الإسلام لا يُوزن بعقلك.. بل يُوزن عقلك بالإسلام.”
في رده، يفضح الشيخ وهم التنوير الزائف، ويُذكر الجميع أن الدين لا يُقاس بالعقول الناقصة، ولا بالأهواء المنفلتة، وأن من يجعل من نفسه “مرجعًا أعلى” فوق النصوص، يسقط في الفتنة، لا في الاجتهاد.
فإبراهيم عيسى لم يكتفِ بمجرد التساؤل أو الحوار، بل سخر من الأحاديث الصحيحة، وهاجم الصحابة، وشكك في كتب الحديث، وفتح النار على كل ما يشكل وعي الأمة الديني.
أما سعد الدين الهلالي، فراح يُحدث الناس بدين جديد لا علاقة له بما تعلمته الأمة طوال قرون، يقدم تأويلات لا يرضى بها حتى الحد الأدنى من المنطق، فضلًا عن الشرع.
والغريب أن مثل هؤلاء لا يُلاحقون، بل يُكافؤون ويُكرمون، ويُقدمون للجمهور على أنهم “المستنيرون”، في حين أن الأصوات المخلصة تُخرس، ويُضيّق عليها.
وهذا كله علامة صريحة من علامات زمن “الرويبضة”، كما وصفه رسول الله ﷺ قبل أكثر من ١٤٠٠ سنة، حين قال:
سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة.”
قيل: ومن الرويبضة؟
قال: “الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.”
فهل هناك أوضح من هذا الحديث في وصف من يتصدرون الحديث في أمور الدين بغير علم ولا فقه، بل بسخرية واستهزاء؟
إننا لا نعيش أزمة “حرية تعبير”، بل نعيش حربًا على ثوابت الإسلام، تُدار بأدوات ناعمة، تُغلف بعبارات مثل “الاجتهاد” و”التنوير”، لكنها تهدف لهدم الوحي والمرجعية.
هذا الدين محفوظ، لكن المحن تُغربل الصفوف، وما يحدث اليوم من تسليط الضوء على أمثال إبراهيم عيسى وسعد الدين الهلالي، يقابله تغييب متعمد للأصوات الصادقة.
والواجب على الأمة اليوم أن تعي الخطر، وتفضح المخطط، وتحصّن الأجيال، وتُعيد الكلمة لأهل العلم والصدق.
فالقرآن والسنة ليستا مجالًا للهوى، بل مصدرًا للهداية. وإن كان بعضهم يُطالب بأن يُوزن الإسلام بعقله، فنقول كما قال الشيخ مظهر شاهين: الإسلام لا يُوزَنُ بعقلك.. بل يُوزَنُ عقلُك بالإسلام.”