التحديات الاقتصادية، يمر قطاع التطوير العقاري في مصر خلال الفترة الراهنة بمرحلة حرجة، تتسم بالعديد من التحديات الاقتصادية المحلية والعالمية، لكنها في الوقت نفسه تزخر بفرص واعدة للمطورين والباحثين عن الاستثمار.
ويُعد هذا القطاع أحد الركائز الأساسية للاقتصاد المصري، ومحركًا لقطاعات صناعية وخدمية عديدة، مما يجعل متابعة أوضاعه أمرًا حيويًا.
تحديات مؤثرة.. ولكنها قابلة للتجاوز
يتفق معظم المطورين العقاريين على أن التحديات الاقتصادية الأخيرة قد ألقت بظلالها على السوق، ومن أبرز هذه التحديات:
- ارتفاع تكاليف الإنشاءات: شهدت أسعار مواد البناء قفزات غير مسبوقة خلال الفترة الماضية، نتيجة للتضخم وتغيرات سعر الصرف. هذا الارتفاع يؤثر بشكل مباشر على تكلفة الوحدات النهائية وهوامش الربح للمطورين.
- تحديات القوة الشرائية: مع ارتفاع معدلات التضخم وتأثر الدخول، تراجعت القوة الشرائية لشريحة كبيرة من العملاء المحتملين، مما يضع ضغطًا على الطلب في بعض الشرائح السكنية.
- أسعار الفائدة: ارتفاع أسعار الفائدة على الإقراض يزيد من تكلفة التمويل للمطورين والعملاء على حد سواء، مما يؤثر على قدرة العملاء على الحصول على قروض عقارية بأسعار مناسبة.
آراء المطورين العقاريين.. رؤى متباينة وآمال متجددة
للتعمق في فهم المشهد، التقينا بعدد من المطورين العقاريين البارزين في السوق المصري:
قال المهندس مايكل جابر أحد المطورين العقاريين، إنه “لا شك أننا نواجه فترة صعبة. ارتفاع أسعار المواد الخام يؤثر على خطط التسعير لدينا، ويدفعنا لإعادة هيكلة التكاليف باستمرار. ومع ذلك، السوق المصري يتمتع بمرونة كبيرة، والطلب الحقيقي على العقار لا يزال موجودًا، خاصة في المدن الجديدة والمشروعات التي تقدم قيمة حقيقية للعميل. نحن نركز الآن على تقديم منتجات تتناسب مع القدرة الشرائية الجديدة، وربما نرى تراجعًا في أحجام الوحدات أو تحولًا نحو الشقق الفندقية والوحدات ذات الاستخدام المتعدد”.
وقالت رحاب ناجح مسؤولة قسم المبيعات في إحدى الشركات، إن “القوة الشرائية للمواطن تأثرت بلا شك، وهذا يتطلب منا كمطورين أن نكون أكثر إبداعًا في حلول الدفع والتمويل. نشهد تحولاً في توجهات العملاء نحو الوحدات الأصغر، أو الوحدات التي توفر قيمة استثمارية مضمونة في المستقبل. السوق الآن أصبح أكثر انتقائية، والعميل يبحث عن المطور ذي السمعة الجيدة والجدول الزمني الموثوق للتسليم”.
أما كيرلس حنا، مدير تطوير الأعمال في شركة عقارية، فقال إن “الأزمة الراهنة هي في الأساس أزمة تكلفة وليست أزمة طلب. هناك طلب حقيقي مدفوع بالزيادة السكانية والرغبة في الاستثمار الآمن. التحدي يكمن في كيفية تسعير المنتج ليصبح في متناول المستهلك مع الحفاظ على جودة التنفيذ وهوامش الربح للمطور. نرى فرصة كبيرة في العقارات ذات القيمة المضافة، مثل المشروعات المتكاملة التي توفر خدمات ومرافق شاملة، أو العقارات التجارية والإدارية التي لا تزال تجذب استثمارات قوية”.
فرص واعدة.. ومحركات نمو مستمرة
على الرغم من التحديات، يرى المطورون أن هناك فرصًا قوية تدعم استمرارية ونمو القطاع، منها الآتي:
- الزيادة السكانية المستمرة: يظل النمو السكاني في مصر عاملًا أساسيًا يدفع الطلب على العقارات السكنية بجميع أنواعها.
- المشروعات القومية الكبرى: استمرار الدولة في تنفيذ المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، مدينة العلمين الجديدة، والمدن الجيل الرابع، يخلق بيئات عمرانية متكاملة تجذب الاستثمارات وتوفر فرصًا جديدة للمطورين.
- العقار كملاذ آمن: في أوقات التضخم وتقلبات الأسواق، يظل العقار يعتبر ملاذًا آمنًا للاستثمار، حيث يحتفظ بقيمته ويزيدها على المدى الطويل، مما يدفع الكثيرين للتحول إليه لحماية مدخراتهم.
- تصدير العقار: بدأت بعض الشركات العقارية في استهداف العملاء الأجانب والمصريين المقيمين بالخارج، مما يفتح سوقًا جديدة ويوفر عملة صعبة.
- التوجه نحو الرقمنة والاستدامة: المطورون الذين يتبنون حلولًا رقمية في التسويق والمبيعات، والذين يركزون على الاستدامة والمباني الخضراء، سيكون لهم ميزة تنافسية في المستقبل.
اقرأ أيضًل: خبيرة بأسواق المال لـ«الحرية»: البنك المركزي يسحب السيولة لضبط سعر الصرف وخفض العجز قبل إعلان الموازنة
ويدعو المطورون العقاريون إلى حوار مستمر مع الجهات الحكومية لإيجاد حلول للتحديات الراهنة، مثل آليات مرنة لتعديل أسعار العقود في ظل التغيرات الاقتصادية، وتسهيل الإجراءات التنظيمية، وتقديم حوافز للشركات التي تركز على التصدير العقاري أو بناء وحدات تتناسب مع الشرائح المتوسطة ومحدودة الدخل.
ويؤكد الخبراء أن الفترة القادمة ستشهد ترسيخًا للمطورين الأقوياء ذوي الملاءة المالية والخبرة، وربما تزايدًا في عمليات الاندماج أو الاستحواذ. ومع استقرار سعر الصرف والتضخم، من المتوقع أن يعاود القطاع زخم نموه، مدعومًا بالطلب الحقيقي والفرص الاستثمارية الكامنة في السوق المصري الواعد.