عندما رأى نجيب محفوظ طفلاً يبيع الحلوى عند إشارة المرور، بكى ثم كتب: وأحلام الأطفال قطعة حلوى، وهذا الطفل يبيع حلمه؛ نتساءل ماذا لو رأى أطفال اليوم وهم يبيعون أعمارهم وتسلب طفولتهم، ويحرمون من أدنى حقوقهم، أطفال لم تتجاوز أعمارهم 10 سنوات يعملون في مهن شاقة ومعرضين دومًا للمخاطر ويتحملون مسؤوليات بدلًا من أن يكونوا هم المسؤولية.
تنتهك حقوق أطفال كثيرين، بالرغم من وجود قوانين دولية نصت على حقوق الطفل إلا أنها غير مفعلة ولا تمنع ما يتعرضون له من انتهاكات جسيمة وإساءة وعنف واستغلال؛ ومن هذه الانتهاكات «عمالة الأطفال» والتي تضع عبء ثقيل عليهم، وتتسبب في حرمانهم من التعليم ،وتعرض حياتهم للخطر وتهدد صحتهم الجسدية والفكرية والمعنوية بالإضافة إلى حوادث قد ينتج عنها إصابات خطيرة أو موت محتم، كما حدث مع أطفال كانوا يعملون في إحدى مزارع الدواجن، لمساعدة ذويهم لظروف المعيشة الصعبة، حيث تعرضت السيارة التي تقلهم للسقوط في مياه النيل من أعلى المعدية من منطقة القطا إلى قرية أشمون بالمنوفية ،لم تتجاوز أعمارهم 15 عاماً، انتهت طفولتهم كغيرهم وكانوا ضحايا لـ “عمالة الأطفال ” التي تتزايد في العالم إلى 160 مليوناً.
وتحتل قارة إفريقيا المرتبة الأولى في قائمة أكثر مناطق العالم التي ينتشر فيها تشغيل الأطفال بمعدل 72 مليون طفل، تليها منطقة آسيا والمحيط الهادئ المرتبة الثانية حيث يصل العدد إلى 62 مليون طفل، ولهذه الظاهرة التي تنتشر وتتفشى في بلدنا وبعض البلاد العربية أسباب عديدة ، منها ارتفاع نسبة الفقر والبطالة اللذان يمثلان عوامل رئيسية لهذه الظاهرة ، التفكك الأسري والفشل الدراسي والاستعمار والحروب والأزمات الاقتصادية التي تخلق أعباء إقتصادية في المجتمع، وعدم توافر فرص عمل للأباء الأمر الذي يدفع الأطفال إلى البحث عن فرص عمل وإن كانت غير مناسبة وغير آمنة لهم .
لمساعدة أسرته علي يحمل 60 طبقاً من الحلويات على رأسه يومياً: «علي» طفل بالصف الخامس الابتدائي، يعمل بائع متجول، ويقطع مسافات كبيرة سيراً على الأقدام، حاملاً مايقرب من 60 طبقاً من الحلويات التي تصنعها والدته ،يعمل رغبة منه ومجبراً أيضاً على ذلك ، عندما وجد نفسه في ظروف صعبة أجبرته على تحمل مسؤولية من الصعب على طفلاً في عمره أن يتحمله ولكنه يتحمل ولا يعي بتعبه وإرهاقه ولا يبالي ظناً منه أنه بذلك ابناً مطيعاً وأن ما أجبر عليه فرض وواجب أن يؤديه ،يحلم بأن يشتري ثياباً جديدة ولكن كل ما يجمعه من نقود وأموال ليست له، بل لاحتياجات أسرته ، ولا يستطيع أن يتصرف بها، عليه فقط أن يسير بأطباق الحلويات ويبتاعها ولا يكتفي بالتجوال في قريته فحسب بل يذهب للبلدان والقرى المجاورة لقريته التي تبعد كيلومترات، ولا يمكنه أن ينتقل إليها عبر وسائل المواصلات تنفيذاً لتعليمات والدته.
- يعمل سائق توك توك منذ ثلاثة أعوام بجانب دراسته ويتمنى أن يصبح ضابطاً
- «عبده» يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، بالصف الثالث الاعدادي، لديه ٤ أشقاء، ووالده يعمل موظفاً، بدأ عبده عمله كـ سائق توك توك منذ ثلاثة أعوام، لم يجبره أحد من أفراد أسرته على العمل، ولكن في ظل ظروف صعبة نعاني منها جميعاً، استشعر أن عليه تحمل مسؤولية نفسه ،وأنه أصبح رجلاً فعمل بجانب دراسته، وبسؤاله عن أحلامه تردد وفكر كثيراً، ولم يكن في باله ولم يفكر من قبل ماذا يريد أن يكون، ولم يكن لديه أي أمنيات ولكنه في النهاية أخبرنا أنه يتمنى أن يصبح ضابطاً.
غياب أبيه جعله سنداً لأمه وشقيقاته
«عمار» يجمع بين دراسته وعمله كسائق توك توك، منذ ثلاثة أعوام بجانب دراسته، وبعيون يملؤها الأسى والخذلان تحدث عن أبيه الذي تخلى عنهم وتركهم منذ سنوات، ليتحمل مع أخيه و الذي يكبره بعامان مسؤلية ورعاية أسرتهم، في ظل غياب أبيهم الذي تركهم صغاراً ولم يكن أهلاً للأبوة.
لم تكتف الحياة بحرمانه من أبيه ولم يكن الخيار الأول لوالدته
«طه» يبلغ من العمر 9 سنوات توفى أبيه وتركته والدته بعدما تزوجت، ليبقي طه وحيداً مع خاله، الذي رفض كفالته وأرسله للعمل في إحدى الورش ، يقضي يومه بأكمله في العمل ولا يملك رفاهية للهو كغيره من أقرانه.
الأسطى يعاقبه بإطفاء السيجارة أو المفك عندما يخطئ
«محمد» ابن لأسرة فقيرة، لجأ إلى العمل صبي ميكانيكي، ويتعرض يومياً للعنف من قبل الأسطى الذي يعمل معه، أي خطأ يرتكبه غير مقبول ولا يغتفر بل ويعاقب عليه ، بأساليب قاسية عن طريق إطفاء السيجارة في يده أو بضربه ب المفك ولا حول ولا قوة لهذا الطفل سوا أن يتحمل مالا يمكن تحمله ولا يوجد أي ردة فعل من قبل ذويه ضد عنف الأسطى لأن الأهم بالنسبة لهم يومية محمد «الأجرة» ولأن العنف الجسدي في اعتقادهم يجعل من نجلهم رجلاً وفي الحقيقة أنهم يشاركون في جريمة إنسانية لا تغتفر وهي صنع إنسان مشوه ومحطم وغير سوي.
وفي هذا الصدد صرحت «أسماء خليفة»، باحثة ماجستير في صحة الطفل، أن عمالة الأطفال يترتب عليها آثار نفسية وجسدية وصحية لوجودهم في بيئات غير صحية وغير آمنه كالمصانع والورش؛ فقد يتعرّض بعض الأطفال العاملين للعديد من الاعتداءات الجسدية والجنسية، كما أن سوء معاملة أصحاب العمل والتي تتمثل في العقاب البدنيّ كالضرب، والإهانة تجعلهم يعانون مستقبلاً من الاكتئاب والقلق وقد يتحولون إلى أشخاص عدوانيين.
وتابعت «خليفة» عدم تلقي الأطفال العاملين معاملة حسنة يخلق لديهم عزلة اجتماعية ويفقدهم الارتباط بالأسرة والانتماء لها، وقد يؤدي ذلك إلى ظهور سلوكيات خاطئة وخطيرة وممارسة عادات سلبية كالتدخين وتعاطي المخدرات والكحول.
وفي هذا السياق تحدث المحامي «محمود عبد العزيز حسانين» لبوابة «الحرية»، عن المادة 98 من قانون تنظيم العمل والتي تتضمن «تشغيل الأطفال» حيث يعتبر طفلاً في تطبيق أحكام هذا القانون كل من بلغ الرابعة عشرة سنة أو تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي ولم يبلغ ثماني عشرة سنة كاملة ، ويلتزم كل صاحب عمل يستخدم طفلاً دون سن السادسة عشرة بمنحه بطاقة تثبت أنه يعمل لديه وتلصق عليها صورة الطفل وتعتمد من مكتب القوى العاملة المختص ، كما نصت المادة 99 على حظر تشغيل الأطفال من الإناث والذكور قبل بلوغهم سن إتمام التعليم الأساسي، أو أربع عشرة سنة أيهما أكبر، ومع ذلك يجوز تدريبهم متى بلغت سنهم اثنتي عشرة سنة.
وأشار «حسانين » إلى المادة 99 والتي نصت على حظر تشغيل الأطفال من الإناث والذكور قبل بلوغهم سن إتمام التعليم الأساسي، أو أربع عشرة سنة أيهما أكبر، ومع ذلك يجوز تدريبهم متى بلغت سنهم اثنتي عشرة سنة ، وكذلك المادة 100 يصدر الوزير المختص قراراً بتحديد نظام تشغيل الأطفال والظروف والشروط والأحوال التي يتم فيها التشغيل، وكذلك الأعمال والمهن والصناعات التي يحظر تشغليهم فيها وفقاً لمراحل السن المختلفة .
وتابع أن المادة 101 تشير إلى حظر تشغيل الطفل أكثر من ست ساعات يومياً، ويجب أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة، وتحدد هذه الفترة أو الفترات بحيث لا يشتغل الطفل أكثر من أربع ساعات متصلة. ويحظر تشغيل الطفل ساعات عمل إضافية أو تشغيله في أيام الراحة الأسبوعية والعطلات الرسمية ،وفي جميع الأحوال يحظر تشغيل الطفل فيما بين الساعة السابعة مساءً والسابعة صباحاً.
وأضاف أن المادة 102 نصت على صاحب العمل الذي يقوم بتشغيل طفل أو أكثر أن يعلق في مكان ظاهر في محل العمل نسخة تحتوي على الأحكام التي يتضمنها هذا الفصل بالإضافة إلى تحرر كشفاً موضحاً به ساعات العمل وفترات الراحة معتمداً من الجهة الإدارية المختصة وكذلك أن يبلغ الجهة الإدارية المختصة بأسماء الأطفال العاملين لديه والأعمال المكلفين بها وأسماء الأشخاص المنوط بهم مراقبة أعمالهم، وأكدت المادة 103 لا تسري أحكام هذا الفصل على الأطفال الذين يعملون في أعمال الزراعة البحتة، كما أكد أن القانون قد حذر الأباء والأمهات الذين يقومون بتشغيل أطفالهم و يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد عن 3 أشهر وغرامة مالية لا تقل عن 1000 جنيه ولا تزيد عن 5 آلاف جنيه.
الحلول المقترحة لحل مشكلة عمالة الأطفال
يجب بذل الكثير من الجهد من قبل الدولة والمجتمع المدني لتحسين مستوى المعيشة للأسر الفقيرة من أجل تخفيف الضغوط الاقتصادية التي تؤدي إلى إجبار أبنائهم على العمل في سن مبكر بالإضافة إلى نشر التوعية بين المجتمع عن أضار هذه الظاهرة والآثار التي تترتب عليها ، وتفعيل القوانين واللوائح التي تنص على تنظيم عمالة الأطفال والحفاظ على حقوقهم.