إنه في أحد الصباحات كنت جالساً انظر للسماء بكل حرية وأحمد الله على عدم فرض قيود عليها وقطع حبل أفكاري صوت تكبيرات العيد آتية من ميكروفون الجامع المجاور، حينها تذكرت تلك الأيام العصيبة التي مرت بي وأنا داخل أسوار سجن طنطا العمومي عندنا كنت افترش الأرض المغطاه ببعض قطع القماش البالية، حتى تخفف عني قسوة وصلابة الأرض، وتخفف من حدة الرطوبة على عظامي، وضوء الشمس يتسلل إلينا على استحياء من نافذة صغيرة، وبعض رفاقي نائمون والبعض الآخر مستيقظ يقرأ القرآن الكريم، وإذ بنا فجأة ننتبه عند سماعنا أول تكبيرات العيد من داخل السجن فأخذنا جميعًا نردد التكبيرات بشكل جماعي وغمر السجن حالة من البهجة جعلت النائم يستيقظ ليردد التكبيرات معنا وكانت تلك أول مره تدخل فيها السعادة إلى العنبر منذ عدة أيام
وجال في خاطري ذكريات يوم وقفة عرفات وانا في هذا السجن البغيض حيث كان بعض الرفاق يجمعون الأرز والبعض يشتري لبن والأخرون يجمعون الأطباق والزجاجات الفارغة، وكنت أتعجب من تصرفاتهم وما الذي ينوون فعله، ثم بدأت السهره داخل الزنزانات المجاورة ويبدو أنهم يقومون بعمل ما وهم يرددون تكبيرات العيد، وكان الجميع يحلمون بزيارة استثنائية حتى يتمكنوا من رؤية أهلهم الذين حرموا منهم منذ ما يزيد عن 5 أشهر بسبب وباء كورونا أما أنا فلم أرى اهلي منذ 8 أشهر اي منذ اليوم الأول من اعتقالي، لكن لم يقدر لأيٍ منا أن يرى اهله هذه المرة أيضاً، ورغم حالة الفتور التي انتابت البعض إلا أنهم أبو أن يضيعوا فرحة العيد فطلبوا من إدارة السجن أن تسمح بأن نؤدي صلاة العيد جماعة لكن قوبل الطلب بالرفض وقالت أن المسموح لنا هو ربع ساعه للترايض فقط ” الترايض اي الخروج من الحجز للحوش “
وفي صبيحة يوم العيد بدأت الفرحة وصوت التكبيرات تعلو أكثر وعند الخروج للترايض قررنا استغلالها افضل استغلال فبدأت المفاجأت تنهال فقد أقبل على أحد الأصدقاء من زنزانة مجاورة حاملاً طبق ارز بلبن وورقه مكتوب عليه أسمى وبعض الحلوى زجاجة مياة وكذا الحال مع باقي الرفقاء الذين معي وأخذ صوت التكبيرات يعلو أكثر فأكثر وبدء بعض الشباب يرشون علي بعضهم المياه ويمزحون ويضحكون وكان هذا بمثابة اليوم الأسعد لي داخل أسوار السجن وكنت أتمنى ان تكون معي الكاميرا حتي أتمكن من تصوير هذه اللحظات السعيدة.
وبعد إنتهاء مدة التريض دخلنا الحجز مرة أخري وبدأت في تحضير الفطار وأنا ادعوا الله أن يفرج عنا وأن يكون هذا أخر عيد يمر علي الجميع بعيد عن أهلهم فمهما كانت الفرحه التي مرت علينا ظاهرياً إلا أن بداخلنا شعور مرير وحزن شديد بسبب الظلم الذي وقع علينا وعلي أهلنا، وأثناء تناول الفطور بدء البعض يتحدث عن ماكان يفعله في العيد، فقلت لهم أني كنت أجهز طبق الفول للإفطار وأنني كان من المفترض أن أكون واقفاً الآن أمام مسجد “مصطفي محمود” بالمهندسين لأصور صلاة العيد واسجل اللحظات الجميلة التي تحدث هناك و بعدها سأذهب مسرعاً الي البيت حتي اتناول مع أسرتي طبق الفتة باللحم الضاني، ثم مازحتهم قائلا “ادينا بنفطر دلوقتي فول فطار الخروف قبل الذبح” فضحك الجميع هو يبكي بداخله علي الحال الذي وصلنا له.
وأثناء الترايض الثاني بدء بعض الشباب يتنقلون بين الغرف ويغيرون غرفهم مع الآخرين، وكان من نصيب غرفتنا أن تكتظ كلها بالشباب وبعضهم طلب مني أن أعد لهم طبق شاورما باللحم حتى يقوموا بتوزيعه علي باقي المساجين مع الفتة وكان هذا هو الحل الوحيد الذي سيمكننا من تسوية اللحم الذي كان لا ينضج بسهولة حتي لو ظل علي النار لثلاثة أيام، إني كنت احب أن أطبخ زملائي لأن الطبخ هوايتي وحتي احاول اسعادهم بأي طريقه، فقد كانت لدي القدرة على تحويل طعام السجن السئ الي طعام آدمي يناسب البشر.
وبعد تناول الطعام بدأنا الإستعداد للعب دورة شطرنج وكان عباره عن تيشرت أبيض مرسوم عليه المربعات وبعض قصاصات الورق مكتبوب عليه أسماء قطع الشترنج وظللنا نلعب طوال الليل حتي اذان الفجر.
إننا لابد أن نظل متذكرين إخوتنا داخل سجون النظام الذين يقضون العيد تلو العيد بعيداً عن أهلهم وذويهم، لابد أن نذكرهم دائماً كنت علي مواقع التواصل الإجتماعي أو بالدعاء لهم أو بالإطمئنان علي أهلهم حتى نرفع من روحهم المعنوية السيئة آلتي يمرون بها في تلك الأيام ونتمني لهم الخلاص العاجل من غياهب السجون.