تتجه أنظار المسلمين نحو يوم عرفة، أحد أعظم أيام السنة، الذي يحمل في طياته فرصًا عظيمة لنيل المغفرة والأجر.
وبينما يتسابق الكثيرون لصيام هذا اليوم المبارك، تبرز قيمة إنسانية وروحية قلّما تُسلط عليها الأضواء، وهي فضل إفطار صائم يوم عرفة، ذلك العمل البسيط في صورته، العميق في أثره وأجره.
يوم عرفة.. يوم يُكفر ذنوب سنتين
يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي رواه مسلم: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”.
ويكشف مشهد واحد ليوم عرفة مكانته: ملايين من الحجاج واقفين على جبل الرحمة، وملايين أخرى صائمة في شتى بقاع الأرض، ترفع أكفّ الدعاء، وتلهج الألسن بالذكر، تطلب من الله العفو والغفران.
وفي هذا اليوم، لا يقتصر الأجر على من يصوم فقط، بل يمتد الفضل لكل من يساهم في دعم هذا الصائم ولو بتمرة واحدة.
إفطار صائم.. أجر مضاعف في يوم مضاعف الأجر
يقول النبي ﷺ كما في الحديث الذي رواه الترمذي: “من فطر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء”.
تؤكد هذه الكلمات النبوية أن من يُعين صائمًا على إتمام عبادته، ينال نفس الأجر، دون أن يُنتقص من أجر الصائم شيئًا، فما بالك بمن يُفطر صائمًا في يوم عرفة، الذي تتضاعف فيه الأجور وتُرفع فيه الأعمال الصالحة إلى السماء؟
فضل إفطار صائم يوم عرفة لا يقتصر على الجانب الفردي، بل يحمل بعدًا اجتماعيًا عميقًا، يُرسخ قيم التضامن والإحسان، ويدفع الناس للتكافل والتراحم في أسمى صورة من صور العبادة الجماعية.
أجواء روحانية ودعوات مستجابة
في حديث رواه أبو داود بإسناد صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال بعدما أفطر عند سعد بن عبادة: “أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة”.
هذه الكلمات النبوية ليست فقط دعاءً، بل هي بشارة عظيمة تُظهر كيف أن مجرد استقبال صائم وتقديم الطعام له، يجلب دعاء النبي، ورضا الله، وصلوات الملائكة.
ولا تتوقف الفضائل عند ذلك، ففي حديث أم عمارة رضي الله عنها، قال النبي ﷺ: “إن الصائم تُصلي عليه الملائكة إذا أُكل عنده حتى يفرغوا، أو حتى يشبعوا”.
وهنا تتجلى معاني الرحمة والتقدير للصائم، حتى إن الملائكة تبارك له، وتدعو له، إذا أُكل الطعام في حضرته وهو صائم.
هل تفطير الصائم يقتصر على الطعام فقط؟
الإجابة بكل وضوح: لا. فتقديم وجبة إفطار قد يكون على قدر الاستطاعة، ولو تمرة أو شربة ماء، بل حتى المساهمة في تجهيز موائد الإفطار، أو التبرع للمحتاجين، يُعد من فضل إفطار صائم يوم عرفة.
الأجر لا يرتبط بكَم الطعام، بل بنيّة العطاء، وحرص المسلم على أن يكون سببًا في إعانة أخيه على الطاعة.
الشيخ ابن باز – رحمه الله – أشار إلى هذه المعاني بقوله: “الشخص الذي يُفطر الصائم يكون له مثل أجر الصائم، سواء فطره على تمر، أو على رطب، أو على لبن، أو على غير ذلك”، مؤكدًا أن ذلك يدخل في باب التعاون على البر والإحسان.
بين روح العبادة ومجتمع الرحمة
في مجتمع يتسابق فيه الناس إلى الخير، يتحول يوم عرفة إلى لوحة إنسانية متكاملة.
فالصائم يرجو من الله الأجر والمغفرة، والمُفطر له يُسهم في دعم هذه العبادة ويشترك في الأجر، والمجتمع كله يرتقي بقيم التعاون والرحمة.
في زمن تسود فيه الفردية، يأتي فضل إفطار صائم يوم عرفة ليذكرنا بأن الإسلام دين الجماعة، ودين الإحسان، ودين القلب الذي يشعر بالآخرين.
كيف تستثمر يوم عرفة بالكامل؟
إذا لم تستطع الصيام، فلا تحزن، فباب الأجر لا يُغلق، ومفاتيحه كثيرة:
شارك في إفطار صائم، ولو بماء وتمر.
قدّم وجبة بسيطة لأحد العمال أو الفقراء.
تطوّع في تجهيز موائد الرحمن أو توزيع الطعام.
ساهم في نشر الأحاديث النبوية حول فضل هذا اليوم.
اجعل نيتك خالصة لله، فالنية تبلغ ما لا تبلغه الأفعال.
وأخيرًا.. لا تفوت الفرصة
فضل إفطار صائم يوم عرفة فرصة ربانية للتقرب إلى الله، لا تتطلب مجهودًا ماليًا ضخمًا، ولا قدرات استثنائية، بل نية صادقة، وقلبًا مخلصًا، ويدًا ممدودة بالعطاء.
هو باب من أبواب الأجر، فُتح في يوم تُفتح فيه أبواب السماء، فلا تكن عنه من الغافلين.
في يومٍ تتنزل فيه الرحمات، ويُباهي الله بأهل عرفة أهل السماء، اجعل لنفسك نصيبًا من الأجر، وكن سببًا في سعادة صائم، فقد يكون ذلك العمل البسيط سببًا في مغفرة عظيمة، وسعادة أبدية.