وفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن كل عام يضع 703000 شخص نهاية لحياته، غير أن أرقام حالات محاولات الانتحار أكبر من ذلك بكثير.
يحدث الانتحار غالبًا نتيجة للاضطرابات النفسية التي تنتج عن عوامل بيولوجية، أو عن صدمات من البيئة المحيطة للشخص، أو عن كليهما معًا.
في الفن نوقشت لوقت طويل علاقة الإبداع بالمرض النفسي، وذلك لأن قائمة المبدعين الذين عانوا من الاضطرابات النفسية طويلة، وفي كثير من الأحيان ما يمر الفنان في فترة ما على الأقل من حياته، بأحد الاضطرابات النفسية، أو العقلية كالاكتئاب مثلًا.
من الكتب العربية التي ناقشة العلاقة الملتبسة بين هذين الموضوعين كتاب “الدخان واللهب.. عن الإبداع والاضطراب النفسى” لدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة السابق، والذي يدرس فيه العلاقة بين الأدب والاضطراب النفسي، والأسباب التي تدفع بعض المبدعين للوقوع في أسر الاضطرابات العقلية.
كما نشر في السنوات الأخير كتاب “سيجيء الموت وستكون له عيناك”، للكاتبة اللبنانية جومانا حداد، والذي يتحدث عن أعمال مئة وخمسون شاعرًا انتحروا في القرن العشرين.
ويحل اليوم 10 سبتمبر اليوم العالمي لمنع الانتحار، نستعرض معكم أشهر الأدباء الذين أنهوا حيواتهم بأنفسهم، والقصص المأساوية التي جرفتهم إلى هذه النهاية.
فيرجينيا وولف
“أيّها العزيز، لقد عدتُ إلى الجنون مرة أخرى. ولا أظنّ أن بإمكاننا النجاة مجددًا من تلك الأوقاتِ السيئة”
“أيّها العزيز، لقد عدتُ إلى الجنون مرة أخرى. ولا أظنّ أن بإمكاننا النجاة مجددًا من تلك الأوقاتِ السيئة. أنا لن أتعافى هذه المرّة. أصبحت أسمع أصواتًا كثيرة داخل رأسى، ولم أعد قادرةً على التركيز. لذلك سأفعل الأفضل لكلينا. (…) انظر، لا أستطيع القراءة حتّى. لا أستطيع كتابة هذه الرسالة بشكل جيّد حتى. إننى أخسر كل شىء…”
تعد رسالة الانتحار تلك، التي كتبتها الأديبة الإنجليزية الشهيرة فيرجينيا وولف لزوجها، قبل أن تلقى بنفسها في نهر أوس، من أشهر رسائل الانتحار على الإطلاق. لقد كانت حياة فرجينيا سلسلة من الحلقات التراجيدية، فقد عانت منذ سن مبكر من الاكتئاب ثنائى القطب، وحجزت على إثره في العديد من المصحات النفسية، ففي ذلك الوقت لم يكن هناك علاج للحد من أعراض ذلك المرض.
كما حرمت فيرجينيا من التعليم كونها فتاة، فتلقت تعليمها في المنزل، وتعرضت للتحرش من قبل أخويها غير الشقيقين في طفولتها. ثم تعرضت لأول انهيار عصبي لها حين توفيت أمها وهى بعد مراهقة، ثم لحقتها أختها غير الشقيقة بعدها بعامين، والتي كانت بمثابة أم لفرجينيا.
تمكنت فرجينيا من استكمال تعليمها في قسم الفتيات في كلية الملك في لندن، وهناك تعرفت لأول مرة إلى العديد من النسويات في النظام التعليمى، وقبل أن تبدأ عملها ككاتبة محترفة بسنة توفى والدها إثر إصابته بسرطان المعدة، مما أدّى إلى إصابتها بأزمةٍ نفسيةٍ جديدة وخضوعها للرعاية لفترة قصيرة.
هكذا كانت حياة فرجينيا فصول من الكآبة، والعزلة والمرض. لكن هذه المعناة أثمرت عن العديد من أهم الآثار الأدبية في تاريخ الأدب العالمي، والتي يمكن تصنيفها ضمن أشكال أدبية مختلفة.
تعد فرجينيا وولف التي ولدت في 25 يناير 1882، بالمملكة المتحدة، وتوفت في 28 مارس 1941، من أيقونات الأدب الحديث للقرن العشرين، ومن أوائل من استخدم تيار الوعي كطريقة للسرد، كما أنها إحدى أشهر الكاتبات النسويات في العالم، ومن أشهر أعمالها:
رواية إلى المنارة، رواية السيدة دالواي، وكتاب غرفة تخص المرء وحده.
سيلفيا بلاث
“الموت فن ككل شيء آخر، وهو فن، أتقنه بشكل استثنائي”
لطالما كانت حياة الشاعرة، والروائية، والقاصة الأميريكية سيلفيا بلاث مصدر إلهام للكثيرين، فهي تعد رائدة الشعر الاعترافي، وكتبت روايتها الوحيدة الناقوس الزجاجي -إحدى أشهر الروايات الأميركية الحديثة، وهي رواية نفسية بامتياز- بعد سنوات من قضاءها لفترة في إحدى المصحات النفسية، بسبب محاولتها الانتحار في سن مبكرة، ورواية الناقوس الزجاجي تعتبر سيرة ذاتية لسيلفيا، ولكن مع تغيير أسماء الشخصيات، والأماكن.
عاودت سيلفيا محاولة الانتحار من جديد بعد أعوام من المحاولات الأولى، وهي في سن الواحدة والثلاثين، ولكن هذه المرة توفيت بالفعل في 11 فبراير 1963، وذلك بعد تشخيصها بالاكتئاب السريري لفترة طويلة من حياتها، أما السبب المباشر الذي دفعها للانتحار، فهو العلاقة التي أقامها زوجها الشاعر تيد هيوز مع امرأة أخرى، وانفصالهما بعد قصة حب دامت لسنوات.
يشار إلى أنه بعد ما يقرب من خمسة عقود من انتحار سيلفيا، استنتج علماء النفس، باستخدام نماذج الطب النفسي، أنها كانت تعاني من اضطراب الشخصية الحدية بالإضافة إلى الاكتئاب السريري.
ولدت سيلفيا في 27 أكتوبر 1932 بالولايات المتحدة الأمريكية، ودرست في جامعة سميث، وجامعة نيونهام في كامبريدج، قبل أن تشتهر كشاعرة وكاتبة محترفة.
ما زال هناك جدل كبير إلى الآن حول أحداث حياتها ووفاتها وعن كتاباتها وتراثها، فقد اشتهرت بديوانها «العملاق». كما بقي ديوانها الشهير «أرييل» في الظلام إلى أن نشر بعد وفاتها، ولاقى نجاحًا واسعًا، ونشرت في العام 1975 كتاب منزل الرسائل، وهو مجموعة من رسائل سيلفيا، إلى أفراد عائلتها في مراهقتها، مع إجراء والدتها بعض التعديلات.
في عام 1982 أصبحت أول شاعرة تفوز بجائزة البوليتزر عن ديوانها «القصائد المجمعة»، وكان هذا بعد وفاتها.
أما قصة حب سيلفيا بلاث، وتيد هيوز المدمرة والملتهبة، ظلت مسار جدل واسع لعقود، ومثال على الألم القاسي الذي يمكن أن يسببه الحب إذا أخفق.
إرنيست هيمنجواي
كيف انتحر صاحب مقولة: “قد يتحطم الإنسان لكنه لن يهزم”؟
لا شك أن إرنيست هيمغواي والملقب بالبابا، كان قد وصل إلى قمة مجده الأدبي بعد حصوله على جائزة نوبل للآداب في عام 1954، حين قرر إنهاء حياته عام 1961، بالتحديد في يوم 2 يوليو عن عمر الواحدة والستين. ولكن ما الذي يمكن أن يدفع شخص كالروائي، والقاص، والصحفي الأميريكي هيمنغواي – الذي عرف بشجاعته وشخصيته المغامرة، التي دفعته للعمل كمراسل حرب- إلى الانتحار بتلك الطريقة التي فعلها بها؟
كان لهيمغواي أسلوبه البليغ والذي اتسم بالبساطة الشديدة، وقصر حجم الجمل، والذي سمّاه نظرية الجبل الجليدي، وقد أحرز تأثيرًا قويًا على الأدب في القرن العشرين، في حين أن أسلوب حياته المغامر، وصورته العامة جلبت إعجاب الأجيال اللاحقة. كتب همينغوي معظم أعماله بين منتصف عشرينيات، ومنتصف خمسينيات القرن العشرين. نشرت له سبع روايات، وست مجموعات قصصية، وعملين غير خياليين. أما بعد وفاته فقد نُشرت له ثلاث روايات، وأربع مجموعات قصصية، وثلاثة أعمال غير خيالية. وتُعد العديد من أعماله ضمن كلاسيكيات الأدب العالمي.
قبل وفاته كان هيمنغواي مريض للغاية، في الحقيقة بلغ مرضه مستويات متقدمة من الخطورة، واعتقد هو نفسه أنه على وشك الانهيار. دفعته الوحدة إلى أن يظل حبيس سريره لأيام عدة، منكفئًا على نفسه. وبعد رحلة من العلاج انتحر همنغواي ببندقيته المفضلة.
يشير المختصون إلى تشابه سلوك همينغواي خلال سنوات حياته الأخيرة مع سلوك والده قبل أن ينتحر الأخير؛ كما يُعتقد أن والد هيمغواي عانى من داء الاصطباغ الدموي الوراثي، الذي يؤدي إلى التراكم المفرط للحديد في الأنسجة مما يدفع إلى تدهور عقلي وجسدي. أكدت السجلات الطبية التي توفرت في عام 1991 أن همينغواي قد شُخِص بداء ترسب الأصبغة الدموية في أوائل عام 1961. كما قتلا شقيقاه نفسيهما بالمثل، وهو ما عزّز فرضية وجود مشاكل جينية لدى الأسرة تؤدي إلى حالة تدهور عقلي، ومعاناة نفسية تنتهي بالانتحار. ظهرت فرضيات أخرى لتفسير تدهور الصحة العقلية لهمينغواي، منها أن الارتجاجات المتعددة التي تعرّض لها خلال حياته، ربما تسببت في إصابته باعتلال دماغي رضحي مزمن.
قائمة أخرى طويلة
تطول قائمة الأدباء الذين ماتوا إثر حالات انتحار لتشمل الكاتب الياباني ياسوناري كواباتا، والبريطانية سارة كين، والتركية نيلغون مارمارا، والإيطالي تشيزاري بافيزي، واليباني يوكو ميشيما، والأميريكية آن ساكستون، واللبناني خليل حاوي، والروسي فلاديمير ماياكوفسكي، والكتابة المصرية أروى صالح، وغيرهم كثيرين…