تحل علينا اليوم الذكرى الـ89 لميلاد الأديب الراحل بهاء طاهر، والذي غادر عالمنا منذ ما يقرب من عامين، مخلفًا وراءه تاريخًا من الإبداع الأدبي والفكري.
النشأة
ولد محمد بهاء الدين طاهر، في 13 يناير 1935 بمحافظة الجيزة لأبوين من صعيد مصر، وتحديدًا من قرية الكرنك بمحافظة قنا، تعلم والده بالأزهر، ثم التحق بدار العلوم، وتخرج فيها عشرينيات القرن الماضي، كما عمل مدرسًا للغة العربية، بعد أن تنقل بالعمل إلى عدة مدن، واستقر بعائلته بالجيزة، ووالدته ربة منزل بسيطة تزوجت وهي في عمرها الـ16، وأنجبت تسعًا من البنين والبنات.
التحق طاهر بمدرسة الجيزة الابتدائية، بعدما أنهى تعلمه للقراءة والكاتبة، فيما كانت تسمى وقتها بالمدارس الإلزامية، وحفظ جزءً من القرآن الكريم في أحد الكتاتيب.
بداية شغفه بالكتابة
بدأ حبه وشفغه بالقراءة يظهر في المرحلة الابتدائية، ويقول عن تلك الفترة في مقدمة روايته «خالتي صفية والدير»: «وأظن أننا كُنا في بداية السنة الثالثة الابتدائية عندما دلنا على اكتشافه الجديد الرائع روايات الجيب!، –يقصد صديق طفولته أحمد الجبالي– ومن وقتها بدأنا نتبادل في حرص وخفة أرسين لوبين وشارلوك هولمز ورو كامبل، وأي شيء يمكن أن تقع عليه أيدينا من تلك الروايات البريئة، التي كان تبادلها محرَّمًا في الجيزة الابتدائية على أساس انها تصرفنا عن الدرس والاجتهاد».
دراسته
بعد أن أنهى الابتدائية التحق بالمدرسة السعيدية الثانوية، وأثناء دراسته، تعرف على كتابات طه حسين وشعر المتنبي، وحكايات ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة، بالإضافة إلى انضمامه إلى «جماعة الجراموفون» والتي كانت سبيلًا لمعرفته بالموسيقى الكلاسيكية لأول مرة.
ارتاد طاهر الجامعة في العام الذي شهد قيام ثورة 23 يوليو 1952، ويحكي عن هذه الفترة: «دخلت الجامعة في السنة التي قامت فيها الثورة، وكم كانت فرحتنا بها! ألم نشارك في صنعها بمظاهراتنا وهتافانا ضدَّ الملك الفاسد؟ ألم ننزل إلى الشارع من أول دقيقة لكي نحمي بأجسادنا تلك الدبابات القليلة العتيقة التي حاصرت قصر عابدين، نحميها من غدر الملك ومن غدر الإنجليز».
وتخرج في قسم التاريخ، بكلية الآداب، جامعة القاهرة، عام 1956، بالإضافة إلى حصوله على دبلومة الدراسات العُليا في التاريخ الحديث، وأخرى في الإعلام.
بهاء طاهر إذاعيًا وأديبًا
عمل فور تخرجه مترجمًا في هيئة الاستعلامات، وكان يجيد اللغة الإنجليزية، وذو خبرة في اللغة الفرنسية قبل أن يجيدها إجادة تامة، ثم التحق بالبرنامج الثاني الثقافي بإذاعة القاهرة منذ العام الأول لإنشائه عام 1957، بصفته مذيعًا ومقدمًا للبرامج ومخرجًا للدراما ومترجمًا، وذلك بعد إجراء اختبار ثقافي له في الأداء والمعلومات.
نشرت له أول قصة قصيرة بعنوان «المُظاهرة» في مجلة «الكاتب» سنة 1964، ويقول الكاتب والناقد شعبان يوسف في كتابه «هكذا تكلم بهاء طاهر»: «لم يغامر يوسف إدريس الكاتب العظيم، والقاص الأهم على مدى عقدي الخمسينات والستينات، عندما قدَّم الكاتب الشاب بهاء طاهر، وهو يحتفي بشكل كبير بنشر أول قصة قصيرة له»
إنجازات وجوائز
تنوع إبداع بهاء طاهر ما بين الأعمال الروائية والقصصية والفكرية والنقدية، بالإضافة إلى الترجمة، ومن أبرز أعماله: واحة الغروب 2006، حب في المنفى 1995، خالتي صفية والدير 1991، نقطة نور 2001، قالت ضُحى 1985، شرق النخيل 1985، الخطوبة 1972، بالأمس حلمت بك 1984، ذهب إلى الشلال 1998، في مديح الرواية 2004، أبناء رفاعة 1990.
وترجم رواية ساحر الصحراء والمعروفة باسم «الخيميائي» للأديب البرازيلي «باولو كويلو»، الصادرة عن دار الهلال ضمن سلسلة «روايات الهلال» عام 1996.
حازت روايته ذائعة الصيت «واحة الغروب» الجائزة العالمية للرواية العربية – البوكر العربية- عام 2008 في دورتها الأولى، وحولت لمسلسل عام 2017 من بطولة منة شلبي وخالد النبوي.
حصد طاهر عدّة جوائز منها: جائزة آلزياتور «Alziator» الإيطالية عن رواية حب في المنفى عام 2008، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1996، والبوكر العربية في دورتها الأولى عام 2008.
الرحيل
رحل بهاء طاهر عن عالمنا مساء يوم الخميس الموافق 27 أكتوبر عام 2022، بعد صراع طويل مع المرض، ونعته جماهير عريضة من القراء والمثقفين المصريين والعرب، بجانب العديد من الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية.
وفي أكتوبر الماضي احتفت جريدة أخبار الأدب، بالذكرى الأولى لرحيله، في عددها رقم 1579 الصادر في 29 أكتوبر عام 2023، والذي حمل اسم «كلُّ هذا البهاء»، إذ ضمت -أي الجريدة- العديد من الأقلام المصرية والعربية، التي كتبت عنه وعن أدبه وإرثه الثقافي والفني، ومنهم السفير محمد توفيق، والذي تفرد بالصفحة الآخِير، وكتب كلمة طويلة بعنوان «غياب يؤكد الحضور»، قال في ختامها: «أرى طيفك كلما مررتُ أمام بيتك في الزمالك، أو جلست على مقهى مكتبة ديوان، أو زهرة البستان، أو موقعك المفضل في مقهى رباعيات الخيم.. أتفاعل معك في تلك الومضات واللقطات، لكنها ليست ابدًا ذكريات لأحداث انقضت، بل لحظات حية لا تفارقني، وإن كانت إقامتي الأرضية كحال البشر إلى زوال، فماذا يبقى من تلك الحوارات والهموم والمشاعر؟ أقول لك بالدليل العملي: الأدب ثم الأدب».
قالوا عن بهاء طاهر
1. علي الراعي: «لا يقنع بهاء طاهر، لا يريد أن يقنع، تذهب معه طالبًا للقصة فإذا القصة باقة من الشعر الجميل».
2. علاء الديب: «بهاء طاهر كاتب واضح مسيطر على مادته وأدواته، جديد في رؤيته ومتفرد في نوع أدائه، الصدق هو النبرة الأولى التي تصافحك في سطوره، والتوازن الموضوعي هو العلامة الواضحة التي يقيم عليها بناء نصوصه»
3. محمود قنديل: «آمن بالكلمة نبراسًا، وبالأدب طريقًا قويمًا، له قدرة التغيير، ورأى في وطننا حلمًا، وفي خطونا أملًا، لذا فقد اعتنق التفاؤل ممشىً لقلمه رغم ملامح الإخفاق».
4. سمير الفيل: «الحديث عن عطاء الكاتب القدير، أستاذنا بهاء طاهر يحتاج إلى مساحات واسعة للبحث، والرصد، والتأمل، وإثبات تفوقه السردي عبر أشكال قصصية مدهشة».
5. عزة هيكل: «يمثل طاهر ثقافة أمة هي مهد الحضارات، ولن تكتمل هُويته وتتحقق إلا بتقبله لكل ماضيه، وتاريخه وأسلافه وجميعها تسهم في ثقافته الحالية».
6. محمود عبدالوهاب: «في هذا الزمان ينبغي أن نعيد قراءة بهاء طاهر؛ لأنه يقدم بمؤلفاته الإبداعية والفكرية والنقدية تصورًا مختلفًا لموقع الكاتب ومكانته في حياة مجتمعه».
7. عادل ضرغام: «ربما يكون أصدق وصف يقدم لأعمال بهاء طاهر يتمثل في كونها كتابة مصفاة».