ولد سيد درويش في الساعة التاسعة من صباح يوم 17 مارس من سنة 1892، في حي كوم الدكة بالإسكندرية. حيث كان أبوه الذي يدعى درويش البحر بحارًا فقيرًا يمتلك ورشة صغيرة، في نفس الحي الذي ولد فيه ابنه، وكان الأب يصنع القباقيب، والكراسي الخشبية، ويتحصل على رزقه هو وأسرته بصعوبة شديدة، كما كان أميًا، أما أم فنان الشعب فكان اسمها ملوك، وكانت من أسرة فقيرة أيضًا، بالإضافة إلى أنها أمية. كما كان لدرويش شقيقتان تكبرانه.
كان أبو سيد درويس يريده شيخًا، لذلك ألحقه بالكتاب، وفي سن العاشرة بعد وفاة والده نقلته أمه إلى مدرسة كان بها معلم يحفظ الأطفال الأناشيد الدينية والقومية وأسترعى الطفل سيد درويش انتباهه فخصه بعنايته، وجعله يقود الأطفال في ترتيل الأناشيد، فنمت موهبته أكثر.
بسن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة توقف عن الدراسة، وتفرغ للغناء والإنشاد وكان بالطبع يقلد مشاهير المطربين والمقرئين. ثم أتت الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1907 وما بعدها، حيث كسدت سوق الفنانين وأصيبوا بالبطالة، فاشتغل درويش مع عمال المعمار مساعد نقاش مهمته أن يناول النقاش المونة، وفي أثناء العمل كان يغني فكان عمال البناء الذين يطربون أشد الطرب، وقد لاحظ المقاول أن العمال ترتفع معنوياتهم، ويزيد إنتاجهم إذا كان العامل سيد درويش يغني لهم، فطلب إليه أن يتوقف عن العمل، وأن يكتفي بالغناء للعمال.
حين سمع الممثل أمين عطا الله سنة 1908 صوت درويش، سرعان ما تقدم إليه بعرض للعمل في فرقة أخيه سليم عطا الله، والتحق درويش بالفرقة فغنى مع الكورس، وأدى منفردًا.
ثم خرج درويش من ترديد ألحان الآخرين، وبدأ بتأليف ألحانه الخاصة، ولكنه لصغر سنه كان يخشى أن يجاهر بأنه يؤلف الموسيقى فنسب ألأحانه لملحنين مشهورين، لتقابل بالاستحسان الشديد.
ثم تردد اسمه في الأوساط الفنية فصار كبار فناني القاهرة إذا زاروا الإسكندرية يبحثون عن المقهى الذي يغني فيه ليسمعوه، ومنهم الشيخ سلامة حجازي، الذي ذهل بمواهب درويش، وشجعه على السفر للقاهرة ليقدمه على مسرحه.
وفي خلال عمله الغنائي بالإسكندرية مرة أخرى تردد اسمه في القاهرة على انه ملحن صاحب اتجاه جديد في التلحين، فاستدعاه جورج أبيض إلى القاهرة، وكلفه بتلحين أول أوبريت له. وبعد نجاح الأوبريت سمع نجيب الريحاني ألحانه فأسرع بالتعاقد معه ليلحن له أوبيرتات فرقته.
انتشرت ألحانه انتشارًا هائلًا، ولذلك تهافت عليه أصحاب الفرق، وجاء وقت كانت توجد في القاهرة أربع فرق، وعدة صالات للغناء كلها تقدم أوبيرتات من تلحين درويش.
ثم كون فرقة خاصة باسمه، حيث كان يؤدي بنفسه دور الفتى الأول، لكن لجهله بشؤون الإدارة والدعايا، ولوجود مسرحه في حي سيئ السمعة، اضطر لحل فرقته، وعاد إلى التأليف للفرق الأخرى.
في الفترة القصيرة بين حضوره إلى القاهرة سنة 1917، وبين وفاته في 10 سبتمبر 1923 لحن سيد درويش 22 اوبريتًا، والفصل الأول من أول أوبرا بدأ في تلحينها بعنوان كيلوباترا ومارك انطونيو. أما خلال حياته الفنية بين الإسكندرية والقاهرة ألف عشرة أدوار للتخت، والتي تتكون من سيمفونيات عربية، و17 موشحًا على النمط القديم، ولكن بروح جديدة، ونحو 50 طقطوقة، وهي الأغاني الخفيفة التي كانت رائجة حينذاك.
اتجهت اعمال درويش كلها إلى العرض، والمدافعة عن كل القضايا التقدمية، فكل ألحانه، وأهداف اوبريتاته كانت أهدافًا وطنية، وتعكس بشدة مطالب الطبقات الكادحة. لقد كان فنان الشعب زعيمًا شعبيًا لثورة 1919 بجانب سعد زغلول، والثورة كموضوع موسيقى سيد درويش أتخذت أسلوبًا تعبيريًا مختلفًا للغاية، فالثورة في الموضوع استتبعت الثورة في الأسلوب.
في سبتمبر سنة 1923 سافر سيد درويش للإسكندرية لاستقبال سعد زغلول العائد من المنفى، وليحفظ طلاب وطالبات المدارس النشيد الذي لحنه لاستقباله، ولكنه توفي في العاشر من شهر سبتمبر ذاته. وسط الاحتفالات الشعبية، والمهرجانات الوطنية المقامة في الإسكندرية لاستقبال سعد زغلول، لم يشعر أحد بوفاة واحد من أعظم العبقريات المصرية التي ظهرت في العصر الحديث، وشيعت جنازته في مراسم متواضعة، لم يشارك فيها إلا عددًا قليلًا جدًا من أهله وأصدقائه.
توجد روايات كثيرة عن سبب وفاة سيد رويش، ومنها وفاته بجرعة زائدة من المخدرات، ولكن أحفاده نفوا تلك الرواية مستندين إلى خطاب بخط يده يقول فيه لصديقه أنه أقلع عن السهر، وكل ما يصاحبه، كما استندوا أيضا على ما تم ذكره في مذكرات بديع خيري من أن الفنان سيد درويش أقلع عن المخدرات، وظهور ذلك بوضوح في أغانيه التي تنصح الشعب بالابتعاد عن المخدرات. أما الرواية التي لها أدلة أقوى هي أنه مات بتسمم مدبر من قبل الإنجليز أو الملك فؤاد، بسبب أغانيه التي تحث الشعب على الثورة، وتوفي درويش وهو له من العمر إحدى وثلاثون عامًا فقط.