أغنية “كلنا مجاريح” هي واحدة من روائع الفنان الكبير جورج وسوف، التي صاغها الشاعر المبدع عوض بدوي ببراعة فائقة، وألبسها الموسيقار العبقري أمجد العطافي لحنًا يلامس القلوب ويجعلها تنبض بالشعور والمشاعر الإنسانية.
وتبرز عبقرية الشاعر عوض بدوي في ابتعاده عن القوالب الغنائية التقليدية التي تركز على الحب والهجر، ليقدم أغنية تتجاوز هذه المواضيع المألوفة إلى أعماق التجربة الإنسانية، مما يجعل الأغنية فريدة ومميزة. هذه الأغنية هي تجربة إنسانية عميقة، تحمل في طياتها العديد من الدلالات والمعاني التي تخاطب الروح وتجعلنا نتأمل في تجربة الإنسان بكل تفاصيلها.
استطاع الشاعر عوض بدوي، بفضل ثقافته الواسعة وموهبته الشعرية الفذة، أن يكتب كلمات تعبر عن تجربة الإنسان التي تتسم بالجروح والألم، والبحث الدائم عن الشفاء والراحة. تبدأ الأغنية بكلمات “كلنا مجاريح”، وهي جملة تحمل في طياتها العديد من الدلالات العميقة. في هذا السياق، يمكن أن نفهم أن الأغنية تتحدث عن تجربة الإنسان التي تتميز بالجروح والألم. كما يقول أبو حامد الغزالي: “الألم هو محك الحقيقة، فمن لم يذق الألم لم يدر الحقيقة”. في أغنية “كلنا مجاريح”، نجد هذا الألم والمعاناة واضحين في كلمات الأغنية: “كلنا مجاريح… كلنا مجاريح”. هذا الألم ليس فقط ألمًا جسديًا، بل هو ألم روحي أيضًا، ألم يصيب القلب والنفس.
بعد البداية، تأتي كلمات “رايحين جايين على حسب الريح… عايشين تايهين ماشيين ضايعين”، والتي تعبر عن الضياع والتوهان الذي يعاني منه الإنسان. حيث يمكن أن نفهم أن الإنسان يبحث عن المعنى والغاية في الحياة، ولكن يجد نفسه ضائعًا وتائهًا. كما يقول أبو الحسن الشاذلي: “الضياع هو بداية الطريق إلى الله”. هذا الضياع ليس فقط ضياعًا ماديًا، بل هو ضياع روحي أيضًا، ضياع يبحث فيه الإنسان عن المعنى والغاية.
بعد ذلك، تأتي كلمات “الدنيا جريح بيداوي جريح”، والتي تعبر عن البحث عن الشفاء والراحة من الجروح العاطفية. حيث يمكن أن نفهم أن الإنسان يبحث عن الشفاء والراحة من خلال التفاعل مع الآخرين. كما يقول الفيلسوف اليوناني أبيقور: “الشفاء هو السعادة الحقيقية، وهو ما يبحث عنه الإنسان في حياته”. هذا البحث ليس فقط بحثًا عن شفاء جسدي، بل هو بحث عن شفاء روحي أيضًا، بحث عن السلام الداخلي والطمأنينة.
والضياع والتوهان والبحث عن الشفاء هما عناصر مترابطة في تجربة الإنسان الوجودية. عندما يتعرض الإنسان للضياع والتوهان، يبدأ في البحث عن الشفاء والراحة النفسية. يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: “الإنسان يبحث عن المعنى في الحياة، وعندما يجد المعنى، يجد الشفاء”. في الأغنية، نجد هذه العلاقة واضحة بين الضياع والتوهان والبحث عن الشفاء، حيث يبحث الإنسان عن المعنى والغاية في الحياة من خلال الشفاء من الجروح العاطفية.
بعد ذلك يقول الشاعر عوض بدوي: “وأدي الايام لعبت بينا… خلتنا نخاف من بعضينا”. ليوضح أهمية العلاقات الإنسانية وخطورة أن تتحول إلى مصدر خوف وقلق بدلاً من أن تكون مصدر دعم وطمأنينة. أو كما يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: “الآخر هو الجحيم”. هذه العبارة تعبر عن الفكرة التي مفادها أن العلاقات الإنسانية يمكن أن تكون مصدرًا للألم والمعاناة إذا لم تكن مبنية على الثقة والاحترام والمودة.
في المقابل، العلاقات الإنسانية الإيجابية يمكن أن تكون مصدر قوة وطمأنينة. كما يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط: “الإنسان مخلوق اجتماعي، ولا يمكنه أن يعيش دون أن يكون له علاقات مع الآخرين”. هذه العلاقات لا تعتبر ضرورة اجتماعية فقط، بل هي أيضًا ضرورة نفسية وروحية.
هذه المعاني العميقة والصادقة، استطاع الموسيقار المبدع أمجد العطافي، بفضل موهبته الفنية الرفيعة وخبرته الموسيقية العميقة، أن يخلق أجواءً موسيقية فريدة ومتناغمة معها. فكان اللحن الذي ابتكره مناسبًا تمامًا للكلمات والأداء الصوتي، مما جعل الأغنية تكتسب بعدًا إضافيًا من الجمال والتأثير. لقد تمكن العطافي من التقاط جوهر الكلمات وتحويلها إلى لحن يعبر عن المشاعر الإنسانية بصدق وإبداع، مما جعل الأغنية أكثر تأثيرًا وجاذبية لدى المستمعين. إن هذا الإبداع الموسيقي الرائع يدل على مدى تفوق العطافي في مجال التلحين وقدرته على إنشاء ألحان خالدة تلامس القلوب وتجعلها تنبض بالشعور والمشاعر الإنسانية.
في الختام، أغنية “كلنا مجاريح” هي تحفة فنية رائعة، تمثل تجربة إنسانية عميقة وغنية بالدلالات والمعاني التي تخاطب الروح وتجعلنا نتأمل في تجربة الإنسان بكل تفاصيلها. ومن خلال استكشاف أبعاد كل جزء في هذه الأغنية، يمكننا أن نفهم بعمق أن الأغنية تتحدث عن تجربة الإنسان التي تتميز بالجروح والألم، والبحث الدائم عن الشفاء والراحة. هذه التجربة الإنسانية العميقة تظهر لنا أهمية التفاعل مع الآخرين والبحث عن الدعم والتعاطف في مواجهة التحديات والصعوبات التي نواجهها في حياتنا.