كيفية تقسيم لحم الأضحية؟.. فمع اقتراب عيد الأضحى، يزداد بحث المسلمين حول العالم عن الطريقة الشرعية المثلى لتوزيع الأضحية، وأحكام التصرف في أجزائها المختلفة مثل الأحشاء، الرأس، والجلد، هذا الاهتمام المتزايد يعكس حرص المسلمين على أداء الشعيرة العظيمة بما يوافق تعاليم الإسلام، ويعزز روح التكافل والتراحم في هذه المناسبة المباركة.
وتعد الأضحية إحدى السنن المؤكدة التي شرعها الله إحياءً لسنة نبي الله إبراهيم عليه السلام، وتجسيدًا لمعاني الفداء والطاعة، وتذبح في يوم النحر وأيام التشريق، فكيف تقسم الأضحية شرعًا؟ وما حكم التصرف في أجزائها كالرأس والجلد؟ وما اختلاف المذاهب في هذه التفاصيل؟ نُجيب عن هذه التساؤلات في التقرير التالي.
ما الطريقة الشرعية لتقسيم الأضحية؟
أجمع جمهور العلماء على استحباب تقسيم الأضحية إلى ثلاثة أثلاث:
ثلث للمضحي وأهل بيته.
ثلث يهدى للأقارب والأصدقاء.
ثلث يتصدق به على الفقراء والمحتاجين.
وقد استدل العلماء على هذا التقسيم بما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
“الضحايا والهدايا: ثلث لك، وثلث لأهلك، وثلث للمساكين.”
لكن من المهم التأكيد على أن هذا تقسيم مستحب وليس واجبًا؛ فلو زاد المضحي في الأكل أو الإهداء أو التصدق فلا حرج عليه، بل الأمر واسع مراعاةً لحال الناس.
ما حكم توزيع الأحشاء والرأس؟
الأحشاء مثل الكبد والقلب: يستحب توزيعها ضمن اللحم الذي يُهدى أو يُتصدق به، لكن لا بأس في الاحتفاظ بها إن لم تُوزع، لأن المقصود الأساس هو نفع الفقراء باللحم.
الرأس: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنها ملك للمضحي، ولا تدخل ضمن ما يوزع، كما لا يجوز إعطاؤها للجزار كأجر؛ بل يجب دفع أجره نقدًا، وهذا تطبيق لما جاء في حديث علي رضي الله عنه: “ولا تعط الجزار منها شيئًا، نحن نعطيه من عندنا”.
كيف تختلف المذاهب الأربعة في تقسيم الأضحية؟
اختلفت المذاهب الفقهية الأربعة في الأنسب شرعًا لتوزيع الأضحية، دون خلاف في أصل مشروعيتها:
الحنفية والحنابلة: يرون الأفضل تقسيمها إلى ثلاثة أثلاث: أكل، إهداء، وصدقة.
الشافعية: يفضلون إعطاء أكثرها للفقراء، ويأكل المضحي جزءًا يسيرًا.
المالكية: يبيحون للمضحي التصرف المطلق في الأضحية دون تحديد نسب، استنادًا لحديث ثوبان رضي الله عنه: “ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحيته، ثم قال: يا ثوبان، أصلح لحم هذه، فلم أزل أطعمه منها حتى قدمنا المدينة”.
ما حكم التصدق من الأضحية؟
اختلف الفقهاء في وجوب التصدق بجزء من الأضحية:
الشافعية والحنابلة: يرون أنه واجب، استدلالًا بالآية: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 28].
المالكية والحنفية: يرون أن التصدق مستحب وليس إلزاميًا، معتبرين أن الأضحية قربة لله، ومن أكلها كاملة لا حرج عليه.
الراجح – والله أعلم – هو قول المالكية والحنفية: أن التصدق مستحب لما فيه من تعزيز التكافل، لكن لا يأثم من لم يتصدق.
ما حكم بيع أجزاء من الأضحية مثل الجلد؟
جمهور العلماء (المالكية، الشافعية، الحنابلة): لا يجوز بيع أي جزء من الأضحية، لا الجلد ولا غيره. واستدلوا بأحاديث منها:
“من باع جلد أضحيته فلا أضحية له.” – أبو هريرة “تصدق بلحمها وجلودها ولا تعطِ الجزار منها شيئًا” – علي بن أبي طالب.
أبو حنيفة: أجاز البيع بشرط التصدق بثمنه.
بعض التابعين كالحسن البصري والنخعي: أجازوا بيع الجلد واستخدام ثمنه في حاجات المنزل.
الراجح – كما ذهب جمهور العلماء – هو المنع من البيع، لأن الأضحية عبادة لا يجوز الاتجار بجزء منها.
خلاصة الأحكام: الأضحية روح تعاون ورحمة
إن توزيع الأضحية في الإسلام ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لتعظيم شعيرة عظيمة، وتحقيق التكافل بين المسلمين، خاصة في أيام العيد التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: “إنها أيام أكل وشرب وذكر لله”.
فكلما زاد المسلم من التصدق والإهداء، كان في ذلك فضل وأجر، وعكس جوهر الإسلام في الرحمة والكرم.