كانت الاتحادات الطلابية بوابة للحياة السياسية، وتصنع جيلًا من الكوادر الشابة، يحمل حبًا عميقًا للوطن والكيان، ووعيًا بدوره المؤثر في المجتمع، سواء داخل المدرسة أو الجامعة أو في المجتمع المصري الأوسع. وكان الطالب يعتلي منصات القيادة من خلال انتخابات نزيهة تُجرى في المدارس والجامعات، تعزز قيم المنافسة الشريفة والعمل الجماعي.
ورغم المبادرات الرئاسية التي سعت إلى تمكين الشباب، بدءًا من إعلان عام 2016 عامًا لهم، مرورًا بمنتديات الشباب التي تتوالى عامًا بعد عام، ومساحات التمكين الشبابي التي تتمثل في خطوة مثل “الحوار الوطني“، إلا أن هذه الجهود تحولت تدريجيًا إلى نفق مظلم، وبدلًا من أن نقول “كانت” سنردد “أصبحنا”.
اتحاد طلاب المدارس عامان بلا انتخابات.. وأمين الاتحاد طالب جامعي!
كان اتحاد طلاب المدارس دائمًا بذرة العمل الطلابي ومنبعًا لبناء قيادات شابة واعية قادرة على المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والنقابية، فمن خلال تجربة ديمقراطية حقيقية تبدأ بانتخابات على مستوى الفصول مرورًا بالإدارات التعليمية ثم المديريات، وصولًا إلى انتخابات الجمهورية التي تُنظم وفقًا لقرارات وزارية وكتب دورية، لكن وعلى مدار عامين، توقفت انتخابات أمانة اتحاد طلاب مدارس الجمهورية دون إعلان سبب واضح.
ومنذ عام 2022 – 2023، لا يزال الطالب الجامعي “أ. ر.” يشغل منصب أمين اتحاد طلاب المدارس، رغم أنه تخطى المرحلة المدرسية، وأصبح الآن في الجامعة.
ويبقى السؤال: هل يُعقل أن يستمر تمثيل طلاب المدارس بشخص لم يعد منهم؟!
الطلاب يشكون التهميش: أين الوزير من تراجع النشاط ؟
قال “م. خ.”، طالب بإحدى المدارس بإدارات مديرية التربية والتعليم بالجيزة، إن الطلاب وُهِموا بأنهم على طاولة صنع القرار، بينما الحقيقة أن صوتهم لم يصل بعد.
وأضاف أن الحوار الوطني كان المنصة الوحيدة التي تمكن خلالها الطلاب من الحديث عن تحديات كبيرة تواجه كيان الاتحادات الطلابية، مؤكدًا أنهم تحدثوا بثقة وبعد دراسة عميقة عن هذه التحديات، إلا أن النتيجة جاءت مخيبة للآمال في ظل تجاهل واضح من الوزارة وعدم البدء في تنظيم ماراثون الانتخابات الطلابية السنوية منذ عامين.
وأوضح أن “القرار الوزاري رقم 62 لسنة 2013 نص بوضوح على ضرورة إجراء الانتخابات الطلابية خلال شهرين من بداية العام الدراسي، وهو ما لم يُنفذ”، مشيرًا إلى أن ما نراه حاليًا لا يتجاوز بعض المعسكرات مثل معسكر تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، أو برنامج مثل قادة مدارس الجمهورية، والذي عُقد دون وجود مكتب تنفيذي منتخب يمثل الطلاب فعليًا. وتساءل: “لن نسأل فقط أين الطالب وحقوقه، بل أين معالي الوزير من كل هذا؟”.
اتحاد طلاب الجامعات سابقًا
بعد عام من التوقف، عادت انتخابات اتحاد طلاب الجامعات والمعاهد هذا العام، لكنها لم تعد كما كانت، فقد جاءت هذه العودة بثوب جديد، ثوب العديد من الأسر والائتلافات الطلابية الموازية، تحول العرس الديمقراطي والانتخابي إلى عرس تعييني، حيث يتم اختيار المرشحين وفقًا للأهواء، لا بإرادة الطلاب، وفقًا لما نقلته مصادر للحرية
يُذكر أن اتحاد طلاب الجامعات هو الممثل الشرعي للطلاب، وصوته المشارك في طاولة صنع القرار، فحين لا يملكون قرار اختيار ممثلهم، والتمثيل يُفرض عليهم بمن يقع عليه الاختيار.. فهل هذا من أجل مصر أم من أجل السيطرة؟.
وقال محمد عز، الرئيس التنفيذي لحزب المحافظين سابقًا، إن الاتحادات الطلابية، تمثل مصنعًا حقيقيًا لإنتاج الكوادر والقيادات الشابة، معبرًا عن دهشته من محاولات النظام للسيطرة على هذه الكيانات وتحجيم دورها.
وأضاف عز أن الكيان الذي أصر أحد الأجهزة السيادية على إنشائه ودعمه كمنافس للاتحادات الطلابية أثبت فشله وضعفه، ويعتمد على الحشد والتوجيه وتقديم أنصاف الموهوبين كبدائل إجبارية لطلاب النشاط الحقيقيين، مما أدى إلى تراجع كبير في أداء الأنشطة الطلابية، ويضرب ناقوس الخطر في إعداد الكوادر الشابة المؤهلة في المستقبل
أين المسابقات الأدبية والثقافية؟
وقال “ع. ي.”، طالب بجامعة القاهرة، إن منظومة الأنشطة الطلابية في الجامعات تعاني من خلل واضح وفساد مستتر، مشيرًا إلى أن بعض المسؤولين يفرغون أنفسهم لإطلاق مبادرات تحمل عناوين براقة تحت زعم إعداد القادة وتأهيل الكوادر الطلابية، لكنها في الواقع، حسب وصفه “مفرغة من مضمونها إن لم تكن ضارة وتقتل المواهب”.
وأرجع الطالب جزءًا من الأمر إلى أن الموظفين المكلفين بتنفيذ هذه البرامج ليسوا مؤهلين لإعداد كوادر حقيقية ولا يجيدون التعامل مع الطلبة من الأساس، لافتًا إلى أن الحالة التي عليها المجال العام تشارك أيضًا في إحباط الطموحات الطلابية.
وأضاف أن من أبرز مظاهر الخلل أن تجد موظفا في إدارة رعاية الشباب يقود سيارة مرسيدس، وهو ما يثير تساؤلات مشروعة عن مصادر هذه الرفاهية لموظف حكومي بسيط، في وقت يواجه فيه الطلاب بالرد المعتاد “لا توجد ميزانية” عند المطالبة بحقوقهم في الجوائز والتكريمات.
وتابع مستنكرًا غياب المسابقات الأدبية والثقافية عن جامعة عريقة كجامعة القاهرة، متسائلًا: “هل من الطبيعي أن تخلو الجامعة من هذه الفعاليات التي تُعد جزءًا أساسيًا من بناء الوعي والثقافة لدى الطلاب، وإذا أقيمت في إنها تفتقد التمويل والدعم المادي اللائقين؟”
ونوه إلى أن مثل هذه العوائق تفقد مصر كثيرا من طاقتها الإبداعية الشبابية وتأثر على دورها الريادي، إذ يتجه المبدعون إلى تكييف أدبهم وفنهم ليتلائم مع بيئات أخرى يجدونها أكثر تقديرًا للإبداع.
ما الحل؟
إن إصلاح هذا الواقع يبدأ بإعادة الاعتبار لصوت الطالب، والعودة إلى مساحات الاختيار الحر، والمشهد الديمقراطي، والتمثيل الحقيقي.
لقد كانت الاتحادات الطلابية يومًا ما مدرسة للقيادة، لكن المشهد اليوم تغيّر، فتحوّلت الديمقراطية إلى ديكور، والمشاركة في الفعاليات إلى حشدٍ بلا روح، في ظل ما نراه من تغييب لصوت الطلاب وتهميش لدورهم الحقيقي، يبقى السؤال الأهم معلقًا: هل نريد شبابًا مُفعمًا بالوعي والانتماء، أم مجرد أرقام تُزين مشهدًا شكليًا؟