تعد سورة الممتحنة من السور القرآنية الهامة التي تحمل بين طياتها معانٍ ودروس بالغة الأهمية،لكن ما السبب وراء تسميتها بهذا الاسم، وما هي الأسباب التي نزلت من أجلها هذه السورة تعتبر واحدة من أعظم السور في القرآن، لذلك سنبحث في الأسباب التي جعلتها تحمل هذا الاسم ومن جهة أخرى سياق نزول الآيات الكريمة فيها
لماذا سميت سورة الممتحنة بهذا الاسم
تم إطلاق اسم “الممتحنة” على السورة عندما نطق لفظها بكسر الحاء، ويعود السبب في ذلك إلى أنها تتعلق بمن هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة،فعندما قصدت نساء مؤمنات الهجرة إلى المدينة، جاءت في الآية العاشرة من السورة حيث يأمر الله المؤمنين بتمحيص هؤلاء المهاجرات،جاء ذكر ذلك في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (سورة الممتحنة آية 10)،
وعن بعض من أقوال العلماء، فقد ورد عن ابن حجر أن السورة قد سميت بهذا الاسم مع الفتح، وذلك للإشارة إلى أول امرأة امتحنت في الإسلام، وهي زوجة عبد الرحمن بن عوف، التي اختبرت في وفائها وإخلاصها.
أسباب نزول سورة الممتحنة في القرآن
تم نزول سورة الممتحنة على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة قبل قيامه بفتح مكة المكرمة، لذا تعد من السور المدنية،ترتبط السورة برتبتها بين سور القرآن الكريم بالترتيب الستين، وتقع ضمن الجزء التاسع والعشرين من أجزاء القرآن،السورة تحتوي على 13 آية، وقد ارتبطت بعدد من الأسباب التي أسست لظهورها،وفيما يلي نستعرض بعضًا من تلك الأسباب
1- السبب الأول نزول سورة الممتحنة
من أبرز الأسباب التي أدت إلى نزول السورة هو موقف الصحابي حاطب بن أبي بلتعة،فقد خان حاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال إبلاغ المشركين في قريش بخطط النبي للقدوم إلى مكة وفتحها،كانت سارة بنت أبي عمرو هي حلقة الوصل بين حاطب ومشركي قريش، حيث قادت الهدايا إلى قريش.
ففي أحد الأيام، طلبت سارة من النبي صلى الله عليه وسلم عطاءً، فسألها عن موقفها إن كانت مسلمة، فأجابت بالنفي،أعطاها النبي كل ما تحتاجه،أثناء عودتها، طلب حاطب منها إيصال رسالة إلى المشركين في مكة، مهددا إياها بدفع عشرة دنانير مقابل ذلك،فلما علم الرسول بما فعل حاطب، أرسل الصحابة لتعقب أثرها واسترداد الكتاب،وبالفعل تم القبض عليها واسترجاع الكتاب، مما أدى لاستدعاء حاطب وسؤاله عن محتواه.
أجاب حاطب قائلاً “أما واللهِ إنِّي لَناصِحٌ للهِ ولرسولِهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ولكنْ كُنْتُ غَرِيبًا في أهلِ مكةَ، وكان أهلِي بين ظَهرَانِيِّهُمْ، وخَشِيتُ فَكتبْتُ كتابًا لا يَضُرُّ اللهَ ورسولَهُ شيئًا وعَسَى أنْ يَكُونَ مَنْفَعَةٌ لأهلِي.” وبناءً على هذه الواقعة، أنزلت هذه السورة في حقه.
2- السبب الثاني لنزول سورة الممتحنة
كما أنه في إطار تسليط الضوء على الأسباب التي أدت لنزول سورة الممتحنة، يجدر الذكر أن السورة نزلت أيضًا بسبب السيدة أسماء بنت أبي بكر، والتي استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم بإرسال هدايا إلى ابنتها المشركة،وقد أجاز لها النبي فعل ذلك، وذلك لتأكيد على أهمية صلة الرحم حتى وإن اختلفت العقائد.
مقاصد سورة الممتحنة
عندما نتحدث عن سورة الممتحنة وأسباب تسميتها، ينبغي أن نوضح أن السورة تحمل العديد من المقاصد المهمة للمسلمين،ومن هذه المقاصد
- تحذير المؤمنين من الاقتراب من الكفار وعدم اتخاذهم أولياء.
- إبلاغ المسلمين بأن العداوة تجاه الكافرين تكون خلال فترات الصراع، ولكن في حال عدم الاعتداء لا داعي للعدوة.
- تأكيد ضرورة تبرؤ المؤمنين من أي صلة بالمنافقين والكافرين.
- تشجيع المؤمنين على الغيرة لدينهم وحمايته.
- الإشارة إلى أهمية الدمج بين العلم والعمل كعنصرين أساسيين لرفعة المسلم.
في الختام، حصلت سورة الممتحنة على مكانة خاصة في القرآن الكريم، فهو ما يبرز من خلال مضامينها وفوائدها العديدة،إذ إن قراءة هذه السورة تمنح المؤمن أجرًا وثوابًا عظيمًا، فكما ذكرنا سابقًا، تُمثل السورة نموذجًا يحتذى به في السلوك والتعامل بين البشر،علينا أن نستمد من هذه السورة دروسًا قيمةً في حياتنا اليومية.