مع اقتراب عيد الأضحى، لا يعلو صوت في بيوت المصريين فوق صوت الغلاء، فبين أضحيةٍ تزداد أسعارها سنويًا، واحتياجات العيد من لحوم وحلوى وملابس، يحاول المواطنون في القاهرة والريف والصعيد التوفيق بين فرحة العيد وواقع اقتصادي ضاغط.
في هذا التقرير، نستعرض شهادات حية من عائلات مصرية تكشف وجوهًا متعددة لتحدي العيد تحت وطأة الأزمة المعيشية.
في القاهرة: “نكتفي بفرحة العيد في العيون”
في حي شعبي بالقاهرة، تجلس السيدة أم أحمد، ربة منزل وأم لثلاثة أطفال، أمام محل جزارة تنظر إلى لافتة “عروض العيد”، وتقول بحسرة: “زمان كنا نشتري لحمة قبل العيد ونخزنها، دلوقتي بنفكر نجيب كيلو على بعضه نقسمه على اليوم كله.. الأضحية خرجت من حساباتنا من سنين”.
وتضيف أن زوجها، الذي يعمل سائقًا، أصبح لا يستطيع مجاراة الأسعار اليومية، فكيف بعيد الأضحى، مضيفة: “بنحاول نفرّح العيال بلبس جديد حتى لو من الأسواق الرخيصة العيد مش بس أكل، أهم حاجة نضحك سوا”.
في ريف المنوفية: “الذبح أصبح جماعيًا.. والأضحية بالمشاركة”
في إحدى قرى محافظة المنوفية، اعتاد الفلاحون الذبح في ساحة كبيرة، لكن الأمور تغيرت، بحسب عم عبد الحليم، فلاح سبعيني: “دلوقتي الناس بتشترك في عجل واحد، كل 7 أسر مع بعض، اللي يقدر يجيب نص كيلو لحمة يوزعه، واللي ما يقدرش يشارك في التوزيع بس”.
ويؤكد عم عبد الحليم، أن تقاليد القرية لا تزال تحافظ على الروح الجماعية للعيد، لكن القدرة على الإنفاق تراجعت: “الناس مبطلتش تحب العيد، لكن الظروف بتحكم.. ودي سنة الحياة”.
في الصعيد: “الأضحية أصبحت رمزية.. وفرحة الأطفال هي الهدف”
في مدينة قنا، يقول الحاج محمود، موظف حكومي على المعاش، إنه لم يذبح أضحية منذ خمس سنوات بسبب ضيق الحال: “كنا بنشتري الخروف بـ2000 جنيه، دلوقتي بـ10 آلاف! حتى الماعز بقى غالي. إحنا بنكتفي بندبح فرخة في أول يوم العيد ونوزع جزء منها”.
ويشير إلى أن أبناءه يركّزون على إسعاد أطفالهم أكثر من التمسك بتقاليد العيد: “الولاد بيشتروا لعب بسيطة للعيال، وبيحاولوا يودوهم في فسحة. الناس عايزة تفرّح بأي طريقة”.
اقرأ أيضًا: مواعيد تشغيل قطارات مخصوصة خلال أيام عيد الأضحى
آراء من الشارع: “نحاول نعيش بالستر.. ونُفرّح اللي حوالينا”
تقول علا حسن، مُعلمة من الجيزة: “قررت أجهّز شنط لحمة صغيرة وأوزعها على جيراني المحتاجين بدل ما أعمل أضحية كاملة. يمكن لما نشارك بعض نفرح سوا”.
بينما يقول الشاب مصطفى جمال، عامل بمصنع: “فرحة العيد مش شرط لحمة أو لبس غالي.. لو نضّفنا الشقة، حضّرنا كحك بسيط، ولمينا الأسرة حوالينا، كده إحنا عملنا العيد.. ليه الناس بتقول بناكل أكل عادي زي باقي الأيام؟ ده عيد! لازم نحس بفرق ولو بسيط.. الأكل الحلو واللمة الحلوة بتدي فرحة”.
شهادات من مواقع التواصل: صوت الناس
لكن الردود كشفت عن واقع أكثر قسوة، حيث كتبت إحدى الرواد تدعى بحساب يحمل اسم “Soo Fouad Elnouzahy”: “افرضي ماديّاتها متسمحش تجيب أو تشتري.. يعني لو نتعامل مع العيد عادي، لأن الظروف جاية عالكل”.
ووافقتها الرأي Lara Basem بقولها: “للأسف بس بسبب الظروف والغلاء بقى زي الأيام العادية”، أما Alaa Esaa فدعا دعاءً مؤثرًا:“يا رب ارزق كل راجل بيت عشان خاطر عياله وأهل بيته”.
رغم شبح الغلاء، لا تزال هناك محاولات فردية لصناعة الفرحة. البعض يضحي بالقليل ليُفرح أسرته، والبعض الآخر يكتفي باللمة والدعاء.
وبين “العيد مش زي زمان” و”نفرح ببساطة”، تكشف هذه الشهادات عن مزيج من الصمود والتأقلم مع واقع اقتصادي شديد القسوة.