بعيداً عن “الفضائحية” التي أحاطت بالأحداث المأساوية المُتلاحقة لعائلة السيدة الفاضلة ماما نوال الدجوي.. لم يلتفت الكثيرون في “مفرمة” السوشيال ميديا إلى الأسباب الحقيقية وراء ما حدث ويحدث لهذه العائلة العريقة..!!
يعرف علماء الاقتصاد ورجال الأعمال في العالم، أن الشركات والكيانات الاستثمارية العائلية، تواجه -غالباً- شبح الانهيار مع الجيل الثالث للشخص المؤسس.. ببساطة كده “الأحفاد”.. هذا الكلام ليس مُرسلاً، ولكنه فرع مُهم في علوم الاقتصاد، وخضع للبحث والدرس في مئات الدراسات والأبحاث ورسائل الماجستير والدكتوراة.
تذكرت، وأنا أُتابع كارثة هذه العائلة، قصة واحدة من أكبر وأشهر علامات الأزياء والموضة في العالم.. شركة “جوتشي”، التي أسسها جوتشيو جوتشي عام 1921 بمتجر صغير في فلورنسا بإيطاليا، وسرعان ما حلقت في السماء، وأصبحت علامة تجارية عالمية.. وبوفاة المؤسس عام 1953 تولى أبناؤه الثلاثة مسئولية تطوير أعمال الشركة.. ولكن مع ظهور أحفاد المؤسس “جوتشي”، بدأت المعارك والصراعات التي شهدت أحداثاً مُشابهة- مع اختلاف التفاصيل- لما نتابعه الآن في امبراطورية “الدجوي”: قضايا ومحاكم وسجن وقتل.. وكادت علامة “جوتشي” تنهار كلياً، لولا شراء شركة فرنسية لأغلبية الأسهم، وإنقاذها من محرقة الجيل الثالث..!
هنا.. يكمن السر: الشركات والكيانات العائلية، في انتقالها من جيل لآخر.. وفي حالتنا، فقد انتقلت امبراطورية الدجوي – نظراً لتقدم سن ماما نوال- للجيل الثاني “الابنين شريف ومنى الدجوي”، ثم بعد وفاتهما ل”الأحفاد”..!
ورغم أنني أعرف عن قرب ماما نوال، وأحمل لها حباً وتقديراً كبيرين، كواحدة من أبرز رموز التعليم، وإحدى العقليات الفذة في الاستثمار والإدارة في مصر، فإنني اندهشت من عدم إدراكها لهذه “المشكلة” بشكل مُبكر، واتخاذ إجراءات تحسبية، كانت كفيلة بتجنب هذه الوقائع المُحزنة..!
تقول الأبحاث والإحصاءات العالمية، إن 70% من الشركات والكيانات العائلية، تفشل في الانتقال للجيل الثاني، و 88% لا تصمد إلى الجيل الثالث، و 97% لا تبقى للجيل الرابع “المصدر CNBC عربية”.
إذن.. ما الحل؟!.. لا شئ سوى الحوكمة، أو “المأسسة”.. بمعنى إخضاع الكيان الاستثماري العائلي، للقواعد العلمية والإدارية، التي تحكم وتدير الشركات المُساهمة والكيانات الكبرى، وتضبط العلاقات المُتقاطعة، بعيداً عن الاعتبارات العائلية، وصراعات الميراث، وتناقض السياسات وفقاً للأهواء الشخصية للجيل الثاني والثالث.
ولا يتحقق ذلك، إلا بفصل الملكية عن الإدارة، وتطبيق قواعد الشفافية والإفصاح، وعدم توزيع الأدوار والمناصب على أفراد العائلة غير الأكفاء، والذين يطالبون دائماً بأدوار أكبر من إمكانياتهم، استناداً إلى “قانون الاستحقاق”..!
هذا هو الدرس الذي ينبغي أن نتعلمه، من مأساة عائلة الدجوي، وليس “مصطبة الفضايح”، المنصوبة في الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي..!