في خطوة تحمل دلالات متعددة، تتردد أنباء عن ترشيح الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء الحالي، لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، خلفًا لأحمد أبو الغيط، الذي تنتهي ولايته في مارس القادم.
وإذا ما ثبت أن هذه الترشيحات صادرة بالفعل عن أعلى سلطة تنفيذية في مصر، فإننا أمام مشهد يستحق قراءة سياسية معمّقة، لا سيما أن لهذا المنصب دلالة رمزية كبرى تتجاوز البعد الإداري، وتمس جوهر الدور المصري في الإقليم.
بالعودة إلى سجل الأمناء السابقين الذين مثّلوا مصر في هذا المنصب الرفيع، يتكشف نمط واضح: جميعهم شخصيات سياسية ذات خلفية قومية ورؤية استراتيجية تتصل مباشرة بتعقيدات الواقع العربي.
فمن عبد الخالق حسونة إلى الشاذلي القليبي، ثم عمرو موسى، وصولًا إلى نبيل العربي وأحمد أبو الغيط، جميعهم كانوا سياسيين من الطراز الرفيع، يمتلكون شبكة علاقات دولية وقدرة على خوض الملفات الإقليمية الحساسة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
أما الدكتور مصطفى مدبولي، فمهما قيل في كفاءته التنفيذية، يظل رجل إدارة وتكنوقراط، بعيدًا عن التكوين السياسي والحنكة الدبلوماسية التي يتطلبها هذا المنصب.
إن عمله، وإنجازاته أو إخفاقاته، تدور جميعها في فلك تنفيذ التعليمات والسياسات العامة دون دور فاعل في صياغتها أو توجيهها.
وهذا يعكس، بشكل مباشر، ما آلت إليه الحياة السياسية في مصر خلال السنوات الأخيرة من تجريف واضح وغير مسبوق، حيث تم إقصاء الشخصيات السياسية القادرة على التعبير عن مشروع وطني أو قومي، لصالح أدوات تنفيذية محدودة الدور.
نحن أمام إشكالية تتجاوز اسم المرشح ذاته، إلى حالة من الفراغ السياسي في الساحة المصرية.
لم تعد هناك كوادر ذات وزن سياسي قادرة على تولي أدوار قيادية في المحافل الدولية، وهو ما يفسر الإخفاقات المتكررة لمصر في الفوز بمناصب إقليمية ودولية، وهو أمر يدعو إلى المراجعة لا إلى المكابرة.
بلغة السياسة، فإن التوقيت الحالي ليس في صالح مصر، لا داخليًا ولا خارجيًا، مع احتدام الصراعات الإقليمية وتعقّد الملفات العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وفي ظل هذه الظروف، فإن ترشيح دول مثل قطر أو السعودية لشخصيات ذات وزن سياسي وتجربة دبلوماسية واسعة قد يكون خيارًا أكثر منطقية للجامعة العربية في المرحلة القادمة. فكلتا الدولتين تمتلكان اليوم أدوات تأثير، وقدرات تفاوضية، وربما الأهم، كوادر سياسية تستطيع استعادة شيء من الدور الغائب للجامعة العربية، إذا ما أُحسن الاختيار.
فالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بروحها القومية، تحتم على كافة الدول ألّا تنظر إليها كمجرد منصب شرفي أو إداري، بينما نحتاج إلى من يحمل مشروعًا، لا مجرد أوراق تعليمات.