ما إن ظهر تنظيم “داعش” على الساحة، حتى باتت التساؤلات تتكرر: لماذا لا يُكفِّر الأزهر هذا التنظيم؟
كيف لمن يرتكب الفظائع، ويشوّه صورة الإسلام، ويقتل الأبرياء، ويفجّر المساجد والكنائس، أن يُقال عنه “مسلم”؟
أسئلة طرحها كثيرون ـ ولا زالوا يطرحونها ـ بتلقائية أو بغضب، ظنًا أن التكفير هو الرد المناسب على الإرهاب، أو أن الصمت عن التكفير تهاون أو تواطؤ.
وفي هذه السطور، نضع الجواب بوضوح وبيان، لندرك كيف يتعامل الأزهر الشريف، باعتباره مرجعية الإسلام الكبرى، مع قضية من أخطر قضايا الدين: التكفير.
موقف الأزهر من “داعش”: الإدانة الحازمة بلا تكفير
منذ اللحظة الأولى، أدان الأزهر بشدة جرائم تنظيم داعش، ووصفه بأنه تنظيم إرهابي يسيء إلى الإسلام والمسلمين، ويقترف من الوحشية ما لا يقبله شرع ولا عقل.
لكن الأزهر ـ رغم كل ذلك ـ لم يُصدر حكمًا بتكفير التنظيم أو أفراده، ليس تهاونًا في الدين، بل تطبيقًا لمنهج علمي دقيق لا يحكم بالكفر إلا بدليل قطعي لا يحتمل التأويل.
وقد صرّح الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب مرارًا أن “داعش خوارج هذا العصر”، وأنهم “يجب قتالهم لا لأنهم كفار، ولكن لأنهم مفسدون في الأرض وسفّاحون مجرمون”، مستندًا في ذلك إلى موقف الإمام علي بن أبي طالب من الخوارج الأوائل، الذين كفّروه، ومع ذلك لم يُكفّرهم، بل قاتلهم كفئة باغية.
القاعدة الأصولية: “التكفير ليس رأيًا شخصيًا”
الأزهر يعلّم طلابه، ويُعلّم الأمة، أن التكفير ليس رأيًا ولا انفعالًا ولا ردة فعل سياسية، بل حكم شرعي دقيق لا يجوز التسرع فيه.
وقد أجمع علماء الأمة على أن من ثبت إسلامه بيقين، لا يُزال عنه هذا الوصف إلا بيقين مثله، وأن الخطأ في عدم تكفير من يستحق التكفير، أهون من الخطأ في تكفير مسلم بريء.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما” [رواه مسلم].
ويقول الإمام النووي:
“مذهب أهل السنة أنه لا يُكفَّر أحدٌ من أهل القبلة بذنب، ولا يُكفَّر أهل الأهواء إلا من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة.”
فقه الإمام علي… قاعدة الأزهر
استند الأزهر إلى المنهج العملي لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين واجه الخوارج في “النهروان”.
فقد كفّروه وكفّروا الصحابة، ومع ذلك قال عنهم: “إخواننا بغوا علينا.”
وقاتلهم باعتبارهم فئة خارجة عن جماعة المسلمين، لا لأنهم خرجوا من الإسلام.
وهذا هو المنهج الأزهرى الرشيد: التفريق بين من انحرف فكريًا أو بغى سلوكيًا، وبين من خرج من الملة بإنكار أصلٍ من أصولها.
إذًا… هل الأزهر يبرّئ داعش؟
الجواب الحاسم: قطعًا لا.
بل الأزهر من أولى المؤسسات التي تصدت لهذا الفكر، وكشف زيفه وضلاله بالأدلة الشرعية، وسخّر علمه ومؤتمراته وبياناته ومنابره الإعلامية لبيان فساد هذا النهج، وتحصين الشباب منه.
وقد أنشأ الأزهر مرصد مكافحة التطرف، لمواجهة فكر داعش وأمثالها، وردّ الشبهات، وتفكيك الخطاب التكفيري، وتحليل الأساليب التي يستخدمونها لتجنيد الشباب.
خلاصة القول
• الأزهر يدين داعش بشدة، ويرى أنهم خوارج العصر، ويجب قتالهم وردعهم.
• يرفض تكفيرهم لأن التكفير حكم شرعي، لا يُبنى على الجرائم ولا على الفظائع، بل على إنكار ثابت من الدين، عن علمٍ وعمدٍ ووضوح.
• يُحذّر من إطلاق أحكام التكفير، لأن ما بعد الكلمة رصاص، وسفك للدماء، وفوضى في الدين والدنيا.
• الأزهر يفرّق بين قتال المفسد، وتكفير المسلم، كما فرق علي رضي الله عنه من قبل.
كلمة الختام
موقف الأزهر من داعش ليس ضعفًا في العقيدة، بل قوة في الفقه، وورع في الفتوى، وثبات في زمن الاضطراب.
هو موقف العلماء، لا الغوغاء… موقف من يعرف أن الإسلام دين عقل، لا انفعال… دين عدل، لا تصفية حسابات.
ولهذا، فإن من يتساءل عن سبب عدم تكفير الأزهر لداعش، نقول له:
لأن الأزهر لا يساير العاطفة… بل يلتزم بالعقيدة، ويحكم بالعلم، ويسير على خطى السلف الصالح.
لأنه حارس العقيدة، لا قنّاص الأحكام.