من ذكريات أيام الجبهة سقاها الله ، كانت كتيبة الصاعقة التي أخدم فيها ، تعسكر في الجيش الثالث.
كنت مع وحدتي نبدأ يومنا قبل الفجر، حيث نقوم بطابور إختراق ضاحية لمسافة 7 كم، قبل أن نعود للصلاة، ثم طابور الصباح ، والتدريبات الصباحية المختلفة، ثم تناول الإفطار.
كنا ننشد أناشيد حماسية أثناء اختراق الضاحية، ونهتف بشعار الصاعقة: “تضحية ، فداء ، مجد” بأقوي صوت ، وكأننا نريد أن يسمعه جنود العدو الرابضين في النقطة القوية علي الضفة الأخري للقناة .
كان أحد جنودي “الراوي”، وبشكل إستثنائي عن باقي أفراد الفصيلة، نحيف تكاد تحصي عظام صدره، ولكنه مع ذلك يمتلك حنجرة قوية بارزة في عنقه، وكان يثير المرح في الطابور، ونحن نلتقط أنفاسنا في الكيلومتر الأخير من الضاحية، حين يضرب هو صدره بقبضة يده هاتفاً: “أوديك فين يا صحة!” ، متفاخرا بكونه واحد من فدائيي الصاعقة، وبالطبع كان يثير ضحكاتنا.
في ليلة السابع عشر من أكتوبر 1973 أصيب “الراوي” عندما كنا في عملية خلف خطوط العدو ، كان ينزف بغزارة من شظية في بطنه ، ومع ذلك أصر أن يحمل محمد السيد الذي أصيب أيضا ولكنه كان عاجزا عن الحركة .
بعد الحرب …زرته في مستشفي الحلمية ، كان يتماثل للشفاء ، وقد أحاطت أسرته البسيطة بفراشه ..وعندما تأهبت لمغادرة الحجرة ، ناداني ، ثم ضرب صدره بقبضته وهو يهتف بصوت واهن :” أوديك فين يا صحة !” ..ضحكت من كل قلبي ،وعدت كي أعانقه .
لقد رحل ” الراوي ” الأسكندراني الشهم ، بعد الحرب بسنوات وكان موته طبيعياً.
رحمك الله يا بطل .